الاستغفار من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو مفتاح لرحمة الله ومغفرته وتكفير الذنوب، وقد حث الله تعالى عباده على الاستغفار في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ووعد المستغفرين بالفضل العظيم في الدنيا والآخرة، قال تعالى في محكم تنزيله:
“وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا” [سورة النساء: 110]
فمهما بلغت ذنوب العبد، يبقى باب التوبة والاستغفار مفتوحًا، والله سبحانه يفرح بتوبة عبده وعودته إليه، لذا، ينبغي للمسلم أن يجعل الاستغفار جزءًا من حياته اليومية، فهو ليس فقط لمحو الخطايا، بل هو أيضًا سبب لنزول الرحمات، وتفريج الكروب، وسعة الرزق، والبركة في الحياة.
أدعية الاستغفار الصحيحة من الكتاب والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي دعا بها الأنبياء والصالحون، ومن أصح هذه الأدعية وأجمعها:
1، سيد الاستغفار (أفضل صيغ الاستغفار)
يُعد هذا الدعاء أفضل صيغة للاستغفار كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قاله موقنًا به فمات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (حديث صحيح).
2، أدعية قرآنية لطلب المغفرة
اشتمل القرآن الكريم على العديد من الأدعية التي دعا بها الأنبياء والصالحون، ومنها:
- دعاء آدم وحواء عليهما السلام:
 “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [سورة الأعراف: 23] . 
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام:
 “قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [سورة القصص: 16] . 
- دعاء عباد الرحمن:
 “رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ” [سورة آل عمران: 193] . 
3، أدعية نبوية أخرى للاستغفار
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ عديدة للاستغفار، منها ما كان يقوله في صلاته وبعدها وفي مجالسه:
- دعاء تكفير الذنوب والخطايا:
 “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”. المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري 6398، وصحيح مسلم 2719). 
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
 “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي”. المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2697، (حديث صحيح). 
- دعاء بسيط ومأثور:
 “أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ”. شرح وبيان: ورد في فضله أن من قاله غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرّ من الزحف، (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). 
صيغ استغفار عامة ومنتشرة
بالإضافة إلى الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بصيغ عامة تشتمل على طلب المغفرة والتوبة، ما دامت لا تخالف الشرع، ومن هذه الصيغ التي يتداولها الناس والتي تحمل معاني طيبة:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ أَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ فَخَالَطَهُ غَيْرُكَ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَاسْتَعَنْتُ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِكَ.
- أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، وَمِنْ كُلِّ فَرْضٍ تَرَكْتُهُ، وَمِنْ كُلِّ حَقٍّ أَضَعْتُهُ، وَمِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ ظَلَمْتُهُ، يَا رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي كُلَّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ.
- اللَّهُمَّ إِنَّ حَسَنَاتِي مِنْ عَطَائِكَ، وَسَيِّئَاتِي بِقَضَائِكَ، فَجُدْ بِمَا أَعْطَيْتَ عَلَى مَا قَضَيْتَ، وَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّمَا كَانَ عِصْيَانِي ضَعْفًا مِنِّي وَلَمْ يَكُنْ جُحُودًا بِرُبُوبِيَّتِكَ، سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي جائزة في معناها العام، لكنها لم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وأكثر أجرًا.
فضل الاستغفار وثمراته في ضوء الأدلة الشرعية
للمداومة على الاستغفار فضائل عظيمة وثمرات يجنيها العبد في دنياه وآخرته، وهي ثابتة بنصوص القرآن والسنة الصحيحة، ومن أبرزها:
- مغفرة الذنوب: وهو المقصد الأعظم من الاستغفار، فالله تعالى يقول:
 “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ” [آل عمران: 135] . 
- الأمان من عذاب الله: الاستغفار صمام أمان للأمة من نزول العذاب العام، قال تعالى:
 “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الأنفال: 33] . 
- جلب الرزق والبركة: يُعد الاستغفار من أسباب سعة الرزق ونزول المطر والبركة في المال والولد، كما جاء على لسان نبي الله نوح عليه السلام:
 “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا” [نوح: 10-12] . 
- طمأنينة القلب وراحة النفس: ذكر الله، ومنه الاستغفار، يورث القلب سكينة وطمأنينة ويطرد عنه الهموم والغموم.
حكم حديث “من لزم الاستغفار”
ينتشر بين الناس حديث “من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب“.
الحكم الشرعي: هذا الحديث ضعيف من حيث السند ولا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح وتشهد له الآيات القرآنية السابقة من سورة نوح وغيرها، والتي تربط بين الاستغفار والفرج وسعة الرزق، لذا، يُستأنس بمعناه دون الجزم بنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، والأولى الاستدلال بالآيات والأحاديث الصحيحة.
دعاء الاستغفار للميت
من أفضل ما يُقدّم للميت هو الدعاء له بالمغفرة والرحمة، وقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة في هذا الباب عند الصلاة على الميت أو زيارة القبور، ومن أصحها:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963.
كما يمكن الدعاء بأدعية عامة مثل: “اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار”، و “اللهم اربط على قلوب أهله وارزقهم الصبر والسلوان”.
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 110.
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة القصص، الآية 16.
- سورة آل عمران، الآية 193.
- سورة آل عمران، الآية 135.
- سورة الأنفال، الآية 33.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306 (سيد الاستغفار)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري (6398) وصحيح مسلم (2719)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2697، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 963 (دعاء للميت)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة حول الاستغفار
- ما هو أفضل وقت للاستغفار؟
- الاستغفار مشروع في كل وقت، ولكن من أفضل الأوقات هو وقت السَّحَر (الثلث الأخير من الليل)، لقوله تعالى في وصف المتقين:
“وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18] . 
- ما هي أفضل صيغة للاستغفار؟
- أفضل صيغة هي “سيد الاستغفار” الوارد في صحيح البخاري، لما له من فضل عظيم كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم.
- هل يجوز الاستغفار بصيغ من عندي؟
- نعم، يجوز للمسلم أن يستغفر الله بأي صيغة تحمل معنى التوبة والندم وطلب المغفرة، ما دامت لا تحتوي على محظور شرعي، ولكن الالتزام بالصيغ المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا.
- هل الاستغفار يغفر الكبائر؟
- نعم، الاستغفار الصادق المقرون بالتوبة النصوح (التي تشمل الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه) يغفر جميع الذنوب، بما فيها الكبائر، لعموم قوله تعالى:
“قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا” [الزمر: 53] ، وإذا كان الذنب يتعلق بحق آدمي، فيجب رد الحق إليه. 
 
		

