يعد اللجوء إلى الله تعالى عبر دعاء الاستخارة للزواج من أعظم صور التوكل والتسليم، خاصة عند اتخاذ قرار مصيري كالارتباط الذي يحدد مسار حياة الإنسان، فالزواج ليس مجرد عقد، بل هو ميثاق غليظ يؤثر في دين المرء ودنياه، وقد يشعر المقبل عليه بالحيرة والتردد، هنا، تأتي صلاة الاستخارة كمنهج نبوي مبارك، يطلب فيه العبد الخيرة من الله الخبير العليم، الذي يعلم خفايا الأمور وعواقبها.
عندما يسلم العبد أمره لله بصدق وإخلاص، ويفوض إليه اختيار الأصلح له، فإن الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته ييسر له الخير ويصرف عنه الشر، إن صلاة الاستخارة هي عبادة جليلة، تجسد ثقة العبد المطلقة في تدبير ربه، وتمنحه الطمأنينة والسكينة القلبية لاتخاذ قراره.
دعاء الاستخارة الصحيح الوارد في السنة النبوية
إن الصيغة الصحيحة لدعاء الاستخارة هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، مما يدل على عظيم شأنها وأهميتها، روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّمُنا السورةَ من القرآنِ، يقولُ:
“إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ -وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ- خَيْرٌ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي (أَوْ قالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ)، فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي (أَوْ قالَ: في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ)، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عنْه، وَاقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بهِ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح.
عند الدعاء للزواج، يقول المستخير عند عبارة “أن هذا الأمر”: “أن زواجي من فلان بن فلان” أو “فلانة بنت فلان”، ثم يكمل الدعاء.

كيفية أداء صلاة الاستخارة للزواج
تؤدى صلاة الاستخارة باتباع خطوات واضحة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع استحضار النية الخالصة لله وصدق التوكل عليه:
- النية والوضوء: يبدأ المسلم بالنية لأداء صلاة الاستخارة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ومسبغاً كما يتوضأ للصلوات المفروضة.
- أداء ركعتين: يصلي ركعتين من غير الفريضة، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة يقرأ سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وهذا مستحب عند بعض أهل العلم وليس واجباً.
- الدعاء بعد الصلاة: بعد التسليم من الصلاة، يرفع يديه ويثني على الله ويحمده، ثم يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية.
- ترديد الدعاء: يدعو بدعاء الاستخارة المذكور أعلاه بخشوع وتدبر، ويسمي حاجته (الزواج من الشخص المعني) في الموضعين المحددين في الدعاء.
- التوكل وانتظار التيسير: بعد الدعاء، يفوض أمره بالكامل إلى الله ويمضي في الأمر الذي استخار له، فإن كان خيراً يسره الله له، وإن كان شراً صرفه الله عنه ويسر له الخير حيث كان.

مفاهيم هامة حول نتائج الاستخارة
من الأخطاء الشائعة انتظار رؤيا في المنام أو الشعور بانشراح أو انقباض في الصدر كعلامة حتمية للاستخارة، والصحيح أن علامة الاستجابة هي تيسير الأمر أو تعسيره، فإذا استخار المسلم ومضى في الأمر، فإن وجده ميسراً وسهلاً، فهذه علامة على أن فيه خيراً، أما إن وجد أمامه العقبات والصعوبات، فهذه علامة على أن الله يصرفه عن هذا الأمر لما فيه من شر له.
حكم دعاء الاستخارة بدون صلاة
الأصل والسنة الكاملة هي أداء ركعتين ثم الدعاء بعدهما كما ورد في الحديث، ولكن، إذا تعذر على المسلم أداء الصلاة لعذر شرعي (كمن كانت حائضاً أو كان في مكان لا يستطيع الصلاة فيه)، فقد أجاز بعض العلماء أن يقرأ الدعاء دون صلاة، لأن الدعاء عبادة مستقلة.
تنبيه هام: إن الصيغ المنتشرة لدعاء الاستخارة بدون صلاة والتي تختلف عن النص النبوي لم تثبت بسند صحيح، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، والأكمل لمن لديه عذر هو الاكتفاء بنص الدعاء النبوي الثابت دون زيادة أو تغيير.

أهمية الاستخارة الشرعية في قرار الزواج
إن قرار الزواج من أهم القرارات التي يتخذها الإنسان، وتترتب عليه نتائج تمتد مدى الحياة، والإنسان مهما بلغ من علم وحكمة، يبقى علمه قاصراً ومحدوداً، ولا يحيط بخفايا الأمور وعواقبها المستقبلية، لذلك، شرع الإسلام الاستخارة كمنهج رباني لطلب الهداية من الله العليم الخبير.
فالاستخارة تعمق صلة العبد بربه، وتزيد من توكله عليه، وتجعله يسير في حياته بثقة وطمأنينة، لأنه يعلم أنه استشار مالك الملك ومدبر الأمر، وبذلك، يرضى العبد بما يقدره الله له، سواء تم الأمر أم لم يتم، لأنه على يقين بأن اختيار الله له هو الخير بعينه.
المصادر والمراجع
- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في تعليم الاستخارة، المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1162، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول صلاة الاستخارة للزواج
ما هو أفضل وقت لصلاة الاستخارة؟
يمكن أداء صلاة الاستخارة في أي وقت من غير أوقات الكراهة (بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس، وعند قيام الشمس في منتصف السماء، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)، ويُستحب أداؤها في الثلث الأخير من الليل، فهو وقت مبارك تتنزل فيه الرحمات وتُستجاب فيه الدعوات.
هل يجب أن أرى حلمًا بعد الاستخارة؟
لا، ليس من الضروري رؤية حلم أو رؤيا بعد الاستخارة، هذا من المفاهيم الخاطئة، العلامة الحقيقية هي تيسير الأمر الذي استخرت من أجله إن كان خيراً، أو ظهور الصوارف والعقبات إن كان شراً.
هل يمكن تكرار صلاة الاستخارة؟
نعم، إذا لم يتبين للمستخير شيء وبقيت حيرته، فيجوز له تكرار صلاة الاستخارة حتى يطمئن قلبه ويظهر له ما فيه الخير.
هل الدعاء يكون قبل التسليم من الصلاة أم بعده؟
الرأي الراجح لدى جمهور العلماء أن دعاء الاستخارة يُقال بعد التسليم من الصلاة، وهو ما يتوافق مع ظاهر نص الحديث الشريف: “فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ..، ثُمَّ لِيَقُلْ”.