يُعدُّ السجود من أعظم أركان الصلاة وأجلّ مواطن القرب من الله عز وجل، فهو اللحظة التي يضع فيها العبد أشرف أعضائه -وجهه- على الأرض خضوعًا وتذللًا لخالقه، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الدعاء فيه، فهو من أرجى مواطن الإجابة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 482.
لذا، من الأهمية بمكان أن يتعلم المسلم الطريقة الصحيحة للسجود، وأن يحرص على ترديد الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن المبارك.
أدعية السجود الصحيحة الواردة في السنة النبوية
هذه مجموعة من الأدعية الصحيحة التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها في سجوده، ويُستحب للمسلم أن يحفظها ويُنوِّع بينها في صلاته.
- الذِّكر الأساسي في السجود:
“سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى” (ثلاث مرات).
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 871، وصححه الألباني، وهو أقل ما يُقال في السجود.
 - دعاء كان النبي يُكثر منه في ركوعه وسجوده:
“سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 817؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 484)، تتأول فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمر القرآن في سورة النصر.
 - دعاء لتمجيد الله وتعظيمه:
“سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 487.
 - دعاء جامع لطلب المغفرة:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 483.
 - دعاء يتضمن الإقرار بالعبودية لله:
“اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 771.
 - دعاء الاستعاذة بالله:
“اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 486.
 
صيغ شائعة وأدعية عامة في السجود
بعد الإتيان بذكرٍ أو أكثر من الأذكار المأثورة، يجوز للمصلي أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم، وهناك بعض الصيغ المنتشرة التي يدعو بها الناس لقضاء حوائجهم، وهي جائزة من حيث المعنى العام.
مثال على صيغة دعاء عام لقضاء الحاجة:
“اللَّهُمَّ يَا مُسَبِّبَ الأَسْبَابِ، وَيَا مُفَتِّحَ الأَبْوَابِ، وَيَا سَامِعَ الأَصْوَاتِ، يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ، اقْضِ حَاجَتِي وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.”
تنبيه هام: هذه الصيغة هي من الأدعية العامة التي يتداولها بعض الناس، ومعناها صحيح، ولكنها لم تثبت بهذا النص تحديدًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في السجود، الدعاء عبادة، والأفضل والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، أو الدعاء بما يفتح الله به على عبده من الأدعية الطيبة.
الطريقة الصحيحة لأداء السجود
السجود ركن عظيم لا تصح الصلاة إلا به، ويكون على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها، وهي: الجبهة مع الأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين.
- عند الهويّ إلى السجود، يُستحب تقديم اليدين على الركبتين، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 - يجب أن تلامس الجبهة والأنف الأرض مباشرة دون حائل يمنع وصولها لموضع السجود.
 - يتم مباعدة العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، مع نصب القدمين وجعل أصابعهما باتجاه القبلة.
 - الاطمئنان في السجود ركن أساسي، فلا يصح “نقر السجود كنقر الغراب”، بل يجب المكث فيه بقدر قول “سبحان ربي الأعلى” مرة واحدة على الأقل.
 
الفوائد الروحية والجسدية للسجود
السجود ليس مجرد حركة جسدية، بل هو عبادة تجمع بين الخضوع الروحي والفوائد البدنية، وتُسهم في الارتقاء بالصحة النفسية والجسدية للمسلم.
الأثر الروحي للسجود
يُعتبر السجود ذروة الخضوع والعبودية لله، وفيه يشعر العبد بقربه من خالقه، مما يورث في قلبه:
- السكينة والطمأنينة: يُساعد على التخلص من التوتر والقلق ويمنح النفس شعورًا بالأمان.
 - تكفير الذنوب ورفعة الدرجات: فبكل سجدة يسجدها العبد لله، يرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها خطيئة.
 - تقوية الصلة بالله: هو مناجاة خاصة بين العبد وربه، مما يعزز الإيمان واليقين.
 
الفوائد الصحية للسجود
أشار العديد من الخبراء إلى أن وضعية السجود لها آثار إيجابية على الجسم، منها:
- تحسين الدورة الدموية: يساعد في زيادة تدفق الدم إلى الدماغ، مما يعزز الذاكرة والتركيز.
 - تخفيف الضغط على العمود الفقري: يُسهم في إراحة فقرات الظهر وتخفيف الآلام.
 - تفريغ الشحنات السلبية: يُعتقد أن السجود على الأرض يساعد الجسم على التخلص من الشحنات الكهروستاتيكية الزائدة.
 - تنظيف الجيوب الأنفية: وضعية الرأس المنخفضة تساعد على تفريغ إفرازات الجيوب الأنفية.
 
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 817، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، الأحاديث بأرقام 482, 483, 484, 486, 487, 771، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن أبي داود، حديث رقم 871، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة حول الدعاء في السجود
ما هو أقل الذكر الواجب في السجود؟
الواجب الذي لا يصح السجود بدونه هو قول “سبحان ربي الأعلى” مرة واحدة، والأكمل أن تُقال ثلاث مرات أو أكثر.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية في السجود؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، الأحوط والأفضل للمصلي أن يدعو بالأدعية المأثورة باللغة العربية، أما من كان لا يحسن العربية، فيجوز له الدعاء بلغته في أمور دينه ودنياه بعد الإتيان بالذكر الواجب، خاصة في صلاة النافلة.
هل يجوز الدعاء بأمور الدنيا في السجود؟
نعم، يجوز للمصلي أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، كطلب الرزق الحلال، أو الزوجة الصالحة، أو النجاح في الدراسة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فأكثروا الدعاء”.
		
