يوم عرفة هو أحد أعظم أيام الله، وله مكانة جليلة في الإسلام، حيث يُستحب فيه الإكثار من الطاعات والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وعلى رأسها الدعاء والذكر، يتساءل الكثير من المسلمين عن صحة الحديث النبوي الشريف الذي يبرز فضل الدعاء في هذا اليوم المبارك، وهو ما سنتناوله بالتفصيل مع بيان فضائل هذا اليوم العظيم وأفضل ما يُقال فيه.

إن الاجتهاد في الدعاء يوم عرفة من أعظم القربات، حيث تتنزل الرحمات وتُستجاب الدعوات وتُغفر الزلات، وهو فرصة ثمينة للمسلمين في شتى بقاع الأرض لطلب خيري الدنيا والآخرة من الله عز وجل.

ما صحة حديث “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”؟

نعم، الحديث الوارد في فضل الدعاء يوم عرفة هو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويُعد أصلاً في بيان عظم شأن الدعاء والذكر في هذا اليوم.

• نص الحديث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.

  .

• المصدر والحكم: رواه الإمام الترمذي في سننه، وحسّنه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب”.

يوضح الحديث أمرين عظيمين: الأول أن أفضل الدعاء وأقربه للإجابة هو دعاء يوم عرفة، والثاني أن أعظم الذكر والثناء على الله الذي قاله النبي ﷺ والأنبياء قبله هو شهادة التوحيد “لا إله إلا الله وحده لا شريك له…”، ويُستحب للمسلم أن يجمع بين الأمرين، فيُكثر من هذا الذكر والثناء على الله، ثم يدعو بما يشاء من حوائج الدنيا والآخرة.

أدعية جامعة يُستحب الإكثار منها يوم عرفة

لم يرد في السنة النبوية صيغة دعاء محددة خاصة بيوم عرفة سوى الذكر السابق، وهذا من رحمة الله بعباده، حيث ترك لهم الباب مفتوحًا ليسألوه سبحانه بما في قلوبهم، ويمكن للمسلم أن يدعو بالأدعية الواردة في القرآن والسنة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، أو يدعو بما يفتح الله عليه من الدعاء الصالح، وهذه أمثلة لأدعية جامعة يُستحب الإكثار منها:

• من القرآن الكريم:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  [البقرة: 201].

• من القرآن الكريم:
  

  “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”

  [آل عمران: 8].

• من السنة النبوية:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”

  (حديث صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه).

• من الأدعية العامة: “اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”.
• من الأدعية العامة: “اللَّهُمَّ اجْبُرْ قَلْبِي جَبْرًا يَتَعَجَّبُ مِنْهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، جَبْرًا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ وَعَظَمَتِكَ وَقُدْرَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ”.
• من الأدعية العامة: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

مكانة يوم عرفة وفضله في ضوء الأدلة الشرعية

يتمتع يوم عرفة بمكانة فريدة وفضائل عظيمة دلت عليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومن أبرز هذه الفضائل:

• إكمال الدين وإتمام النعمة: في هذا اليوم نزلت الآية التي تعلن كمال الشريعة الإسلامية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنها نزلت على النبي ﷺ وهو قائم بعرفة يوم جمعة.
  

  “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”

  [المائدة: 3].

• مباهاة الله بأهل الموقف: يُباهي الله عز وجل بأهل عرفة الملائكة، وهو دليل على عظيم فضلهم ومكانتهم في هذا اليوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا”

  (حديث صحيح، رواه أحمد).

• صيامه يكفر سنتين: لغير الحاج، يُستحب صيام يوم عرفة، ففيه أجر عظيم وهو تكفير ذنوب سنتين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ”

  (حديث صحيح، رواه مسلم).

• أعظم الأيام للعتق من النار: لم يُرَ يومٌ أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة، فهو يوم المغفرة والرحمة الواسعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ”

  (حديث صحيح، رواه مسلم).

• أحد الأيام العشر الفاضلة: يوم عرفة هو اليوم التاسع من عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام السنة التي أقسم الله بها في كتابه، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من غيرها.
  

  “وَلَيَالٍ عَشْرٍ”

  [الفجر: 2].

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو أفضل ما يُقال في يوم عرفة؟

أفضل ما يُقال في يوم عرفة هو الجمع بين الذكر والدعاء، وأفضل الذكر هو ما ورد في الحديث الصحيح: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، وبعد الإكثار من هذا الذكر، يدعو المسلم بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.

هل يجب الالتزام بأدعية معينة في يوم عرفة؟

لا، لم يوجب الشرع الالتزام بصيغ دعاء محددة، باب الدعاء واسع، ويمكن للمسلم أن يدعو بما هو ثابت في القرآن والسنة، أو أن يدعو بحاجاته الخاصة بأسلوبه ولهجته، فالله سبحانه وتعالى عليم بما في الصدور ويستجيب لمن دعاه بصدق وإخلاص.

ما هو حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟

صيام يوم عرفة سنة مؤكدة لغير الحاج، وفيه فضل عظيم وهو تكفير ذنوب سنتين، أما الحاج الواقف بعرفة، فالسنة في حقه ألا يصوم، ليتقوى على الدعاء والذكر والعبادة في هذا اليوم العظيم، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر