يُعد وقت الإفطار في شهر رمضان من أخصب الأوقات وأكثرها بركة، حيث يجتمع شرف الزمان مع شرف العبادة، في هذه اللحظات، يشعر المسلم بقربٍ فريد من ربه، تتجلى فيه معاني الخضوع والشكر على نعمة إتمام الصيام، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الوقت بالدعاء، فهو من المواطن التي يُرجى فيها الإجابة.
إن فضل الدعاء للصائم ليس مقتصراً على لحظة الإفطار فحسب، بل يمتد طوال يومه، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وهذا يؤكد على المكانة العظيمة للصائم ودعائه عند الله تعالى، مما يجعل من لحظة الإفطار تتويجاً لهذا اليوم المبارك باللجوء إلى الله والتضرع إليه.
دعاء الإفطار الصحيح الثابت عن النبي ﷺ
الدعاء الأساسي والأكثر ثبوتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم عند إفطاره هو ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: كان رسول الله ﷺ إذا أفطر قال:
ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
هذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه (2357)، وحسّنه الشيخ الألباني، ويُستحب للصائم أن يقول هذا الذكر بعد الإفطار مباشرة، أي بعد أن يتناول تمراتٍ أو يشرب ماءً، وذلك لتوافق المعنى مع الواقع؛ فالظمأ يذهب بعد الشرب، والعروق تبتل، ثم يرجو الصائم ثبات الأجر من الله تعالى.
شرح معاني الدعاء:
- “ذَهَبَ الظَّمَأُ”: أي زال العطش الشديد الذي كان يشعر به الصائم.
- “وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ”: كناية عن عودة الحيوية إلى الجسد بعد أن رُوِيَ بالماء.
- “وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”: أي تحقق أجر الصيام بفضل الله ومنّته، وتعليق الأمر بمشيئة الله هو من باب الأدب مع الخالق سبحانه.
حكم دعاء “اللهم لك صمت” عند الإفطار
ينتشر بين كثير من المسلمين دعاء بصيغة “اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ”، هذا الدعاء ورد في حديث مرسل عن معاذ بن زهرة، وهو من التابعين، مما يعني أن في سنده انقطاعًا، وقد ضعّف الحديث عدد من أهل العلم، منهم الشيخ الألباني.
- الحكم الشرعي: على الرغم من ضعف سند الحديث، إلا أن معنى الدعاء صحيح ولا إشكال فيه، لذلك، أجاز العلماء الدعاء به وبغيره من الأدعية الطيبة عند الإفطار، على ألا يُعتقد أنه سنة ثابتة مؤكدة بنفس درجة حديث “ذهب الظمأ”.
- الخلاصة: الأكمل والأفضل هو الالتزام بالدعاء الثابت “ذهب الظمأ…”، ولا حرج في أن يدعو المسلم بـ “اللهم لك صمت…” أو غيره من الأدعية العامة التي تحمل معاني طيبة.
أدعية جامعة من القرآن والسنة يُستحب الدعاء بها
وقت الإفطار هو وقت إجابة، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن أفضل ما يُدعى به هو جوامع الكلم التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
- دعاء سؤال العافية في كل شيء:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”
(رواه أبو داود وصححه الألباني).
- دعاء الثبات على الدين:
“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”
(رواه الترمذي وصححه الألباني).
أدعية عامة يمكن الدعاء بها قبل الإفطار
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت بسند خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم لوقت الإفطار، الدعاء بابه واسع، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، ولكن الأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
- اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، اغْفِرْ لِي.
- اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَآثَامِهِ، وَارْزُقْنِي فِيهِ ذِكْرَكَ بِدَوَامِهِ، بِتَوْفِيقِكَ يَا هَادِيَ الْمُضِلِّينَ.
- رَبِّ اجْعَلْ لِي فِيهِ نَصِيبًا مِنْ رَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ، وَاهْدِنِي فِيهِ لِبَرَاهِينِكَ السَّاطِعَةِ، وَخُذْ بِنَاصِيَتِي إِلَى مَرْضَاتِكَ الْجَامِعَةِ.
- اللَّهُمَّ اجعل صيامي فيه صيام الصائمين، وقيامي فيه قيام القائمين، ونبهني فيه عن نومة الغافلين، وهب لي جرمي فيه يا إله العالمين، واعف عني يا عافيًا عن المجرمين.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “ثلاثة لا ترد دعوتهم”، (رواه الترمذي، 2526، وصححه الألباني، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ذهب الظمأ وابتلت العروق”، (رواه أبو داود، 2357، وحسّنه الألباني، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك العافية”، (رواه أبو داود، 5074، وصححه الألباني، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا مقلب القلوب”، (رواه الترمذي، 2140، وصححه الألباني، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء الإفطار
ما هو أفضل وقت للدعاء قبل الإفطار؟
الدعاء مستحب طوال يوم الصيام، ويتأكد استحبابه في اللحظات التي تسبق أذان المغرب مباشرة، حيث يكون الصائم في نهاية عبادته وأشد حالات الانكسار والافتقار إلى الله، وهو من أرجى أوقات الإجابة.
هل دعاء الصائم مستجاب؟
نعم، ورد في الحديث الصحيح أن للصائم دعوة لا تُرد، وهذا يشمل جميع أنواع الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، شريطة أن يكون الدعاء بإخلاص وحضور قلب، وألا يكون فيه إثم أو قطيعة رحم.
ما هو الدعاء الصحيح عند الإفطار؟
الدعاء الصحيح الثابت عن النبي ﷺ هو قوله بعد أن يفطر: “ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”، ويجوز للمسلم أن يزيد عليه من الأدعية العامة والمأثورة ما يشاء.

