الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو دليل على يقين العبد وحسن توكله على الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل في كتابه الكريم:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”
[البقرة: 186]، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الدعاء العظيمة فقال:
“لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ”
(رواه الترمذي، حديث حسن).
ومع أن العبد قد يكثر من الدعاء بقلب مخلص، إلا أنه قد يشعر بتأخر الإجابة أحيانًا، وهنا يجب على المسلم أن يتفقه في شروط الدعاء وآدابه، وأن يتحرى الأوقات والأحوال التي يُرجى فيها القبول، مع اليقين التام بأن الله تعالى حكيم عليم، يجيب دعوة عبده بما هو خير له في دينه ودنياه وآخرته.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية.
1، دعاء لطلب الهداية والثبات على الصلاة:
من الأدعية القرآنية الجامعة التي علمنا إياها سيدنا إبراهيم عليه السلام:
“رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ”
[إبراهيم: 40]
2، دعاء لطلب الصدق والثبات على الحق:
من الأدعية القرآنية العظيمة لطلب مدخل صدق ومخرج صدق:
“رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا”
[الإسراء: 80]
3، دعاء للصبر وتفريج الكروب:
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الكرب والشدة، ما ورد في الحديث الصحيح:
“لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ”
(رواه البخاري ومسلم).
ومن أعظم الأدعية التي تُعين على الصبر دعاء نبي الله أيوب عليه السلام:
“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”
[الأنبياء: 83]
4، دعاء لكشف الهم والضيق:
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
(رواه البخاري).
أمثلة على صيغ دعاء عامة ومنتشرة
يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها العامة لا تتعارض مع أصول الدين، يمكن الدعاء بها على سبيل العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكمل، ومن أمثلة ذلك:
- للهداية في الصلاة: “اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا اهْدِ كُلَّ مَن تَهاوَنَ فِي صَلاتِه، وَخُذْ بِيَدِه لِلطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَاجْعَلْ قَلبَهُ مُبْتَهِجًا بِنُورِ عِبَادَتِكَ، وَرُدَّهُ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلاً.”.
- لطلب الصبر: “رَبِّي، يَا فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، اغْمُرْ صَدْرِي بِالصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ، وَامْحُ أَوْجَاعِي، وَأَبْدِلْ حُزْنِي فَرَحًا وَفَرَجًا.”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه وأمثالها هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة لكل خير، يجوز الدعاء بألفاظ من عند الإنسان ما لم تحتوِ على محظور شرعي، ولكن الأفضل والأكمل دائمًا هو لزوم المأثور.
مفاتيح استجابة الدعاء
للدعاء شروط وآداب تزيد من فرصة قبوله، منها:
- اليقين بالإجابة وحضور القلب: على الداعي أن يدعو وهو موقن بأن الله سيجيبه، وأن يكون قلبه حاضرًا غير غافل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ”
(رواه الترمذي، حديث حسن).
- الإكثار من الاستغفار: التوبة والاستغفار من الذنوب من أعظم أسباب فتح أبواب الرحمة والقبول، فالله تعالى يقول على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا”
[نوح: 10-11].
- الدعاء بأسماء الله الحسنى: التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا من أعظم آداب الدعاء، قال تعالى:
“وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا”
[الأعراف: 180].
- الصدقة والإحسان إلى الخلق: الأعمال الصالحة كإطعام الطعام والصدقة والإحسان للآخرين هي من أسباب قبول الدعاء وتفريج الكروب.
موانع استجابة الدعاء
هناك أمور قد تكون سببًا في حجب الدعاء أو تأخير إجابته، ومن أبرزها:
- أكل الحرام: التحري في الرزق الحلال من أهم أسباب إجابة الدعاء، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:
“الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟”
(رواه مسلم).
- الاستعجال وترك الدعاء: من موانع الإجابة أن يستعجل العبد ويقول: “دعوت فلم يُستجب لي”، فيترك الدعاء.
- الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: لا يُستجاب دعاء فيه اعتداء أو طلب لمعصية أو قطع لصلة القرابة، قال صلى الله عليه وسلم:
“لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ”
(رواه مسلم).
- الغفلة عن طاعة الله: التقصير في الواجبات والفرائض قد يكون سببًا في حرمان الإجابة، فالطاعة مفتاح القرب من الله.
أوقات وأحوال يُستحب فيها الدعاء
هناك أوقات وأحوال فاضلة يُرجى فيها قبول الدعاء أكثر من غيرها، وقد دلت عليها نصوص شرعية صحيحة:
- الثلث الأخير من الليل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له؟”
(رواه البخاري ومسلم).
- بين الأذان والإقامة: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة”
(رواه الترمذي، حديث صحيح).
- في السجود: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”
(رواه مسلم).
- ساعة يوم الجمعة: وهي ساعة يُرجى فيها إجابة الدعاء.
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة.
- دعاء الصائم عند فطره: فإن له دعوة لا تُرد.
- دعاء المسافر والمظلوم: فدعواتهم مستجابة كما ورد في الحديث الصحيح.
- ليلة القدر: وهي خير من ألف شهر.
أدعية الأنبياء في القرآن الكريم
قصّ الله علينا في القرآن أدعية مباركة للأنبياء والمرسلين، وهي من أجمع الأدعية وأنفعها:
- دعاء آدم عليه السلام:
“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”
[الأعراف: 23].
- دعاء نوح عليه السلام:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ”
[نوح: 28].
- دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
“رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
[البقرة: 127].
- دعاء يوسف عليه السلام:
“فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ”
[يوسف: 101].
- دعاء يعقوب عليه السلام:
“إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ”
[يوسف: 86].
- دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (من جوامع الدعاء):
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 186.
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة يوسف، الآية 101.
- سورة إبراهيم، الآية 40.
- سورة الإسراء، الآية 80.
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
ج: نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بلغته التي يتقنها، فالله سبحانه يعلم ما في القلوب ويسمع كل اللغات، ولكن الدعاء باللغة العربية، خاصة بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، هو الأفضل والأكمل.
س2: ما هو أفضل دعاء يمكن أن ألتزم به؟
ج: من أجمع الأدعية وأفضلها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، لأنه يجمع خيري الدنيا والآخرة، كذلك الإكثار من الاستغفار وسؤال الله العافية في الدين والدنيا والآخرة.
س3: ماذا أفعل إذا دعوت ولم أرَ استجابة لدعائي؟
ج: يجب على المسلم ألا ييأس من رحمة الله وألا يترك الدعاء، فإجابة الدعاء لها صور ثلاث كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن يعجل الله له دعوته، أو أن يدخرها له في الآخرة، أو أن يصرف عنه من السوء مثلها، فالمؤمن رابح في كل الأحوال، وعليه أن يحسن الظن بربه ويستمر في الدعاء.

