مع إقبال شهر رمضان المبارك، يتجدد شوق المسلمين لاستقبال هذا الموسم الإيماني العظيم، الذي يمثل فرصة فريدة للتقرب إلى الله تعالى بالصيام والقيام وصالح الأعمال، في هذا الشهر، تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، وتُصفّد الشياطين، وتتنزل الرحمات، ومن أعظم العبادات التي يحرص عليها المسلم في هذه الأيام الفضيلة هي عبادة الدعاء، فهو مخ العبادة وسبيل المناجاة وطلب الخيرات من الله سبحانه.
فيما يلي، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة، مع بيان مصادرها وسياقها، لتكون عونًا للمسلم على اغتنام أوقات رمضان المباركة.
أدعية ثابتة في القرآن والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة.
1، دعاء رؤية هلال رمضان
يُستحب للمسلم عند رؤية هلال شهر رمضان أن يدعو بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3451، قال الترمذي: “حديث حسن”.
2، دعاء القنوت في صلاة الوتر
هذا الدعاء من الأدعية العظيمة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما ليقوله في قنوت الوتر، وهو مناسب جداً ليالي رمضان:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1425، وصححه الألباني.
3، أدعية جامعة من القرآن الكريم
القرآن الكريم مليء بالأدعية المباركة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت، وخاصة في رمضان:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
المصدر: سورة آل عمران، الآية 8.
تنبيه هام بخصوص نية الصيام
من الأمور الشائعة بين الناس التلفظ بنية الصيام بصيغ محددة مثل: “اللهم إني نويت أن أصوم رمضان كاملاً…”، والصواب أن النية محلها القلب، وعقد العزم في القلب على صيام اليوم التالي من رمضان قبل طلوع الفجر هو النية المطلوبة شرعًا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتلفظون بالنية، فالأمر أيسر من ذلك، وقيام المسلم للسحور هو في حد ذاته نية وعزم على الصيام.
صيغ دعاء عامة يمكن الاستئناس بها
هناك العديد من صيغ الدعاء الحسنة التي يتداولها الناس، ومعانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يجوز الدعاء بها على أنها دعاء عام، مع اليقين بأنها لم ترد بلفظها في السنة النبوية، وأن الأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامِي فِيهِ صِيَامَ الصَّائِمِينَ، وَقِيَامِي فِيهِ قِيَامَ الْقَائِمِينَ، وَنَبِّهْنِي فِيهِ عَنْ نَوْمَةِ الْغَافِلِينَ، وَهَبْ لِي جُرْمِي فِيهِ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ، وَاعْفُ عَنِّي يَا عَافِيًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ.
- اللَّهُمَّ قَرِّبْنِي فِيهِ إِلَى مَرْضَاتِكَ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ مِنْ سَخَطِكَ وَنَقِمَاتِكَ، وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِقِرَاءَةِ آيَاتِكَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنَّا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، وَمِنَ الْمَقْبُولِينَ الْفَائِزِينَ.
فضائل وخصائص شهر رمضان المبارك
لشهر رمضان مكانة عظيمة وفضائل عديدة ثابتة في النصوص الشرعية، تجعله موسمًا استثنائيًا للعبادة والطاعة، من أبرز هذه الفضائل:
- شهر المغفرة والعتق من النار: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ”
(رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).
- مضاعفة الأجور: تتضاعف أجور الأعمال الصالحة في هذا الشهر، فالعمرة فيه تعدل حجة، والصدقة فيه أعظم أجرًا.
- شهر القرآن: نزل فيه القرآن الكريم، لذا يُستحب الإكثار من تلاوته ومدارسته.
- فيه ليلة القدر: وهي ليلة خير من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.
- استجابة الدعاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ”
(رواه الترمذي، حديث رقم 3598، وقال: “حديث حسن”).
أفضل الأعمال في شهر رمضان
ينبغي للمسلم أن يجتهد في الطاعات في هذا الشهر الفضيل، ومن أعظم الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله:
- الصيام: وهو ركن رمضان الأساسي، ويجب أن يكون صيامًا عن المفطرات الحسية والمعنوية كالغيبة والنميمة وقول الزور.
- القيام (صلاة التراويح): من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.
- الصدقة: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
- قراءة القرآن: فهو شهر القرآن، وكان السلف يكثرون من ختم القرآن في هذا الشهر.
- الاعتكاف: خاصة في العشر الأواخر، تحريًا لليلة القدر.
- الدعاء والذكر: الإكثار من الدعاء، خاصة عند الإفطار وفي الثلث الأخير من الليل.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- حديث رؤية الهلال: سنن الترمذي، رقم 3451، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء القنوت: سنن أبي داود، رقم 1425، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث فضائل رمضان (تصفيد الشياطين): سنن الترمذي، رقم 682، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعوة الصائم: سنن الترمذي، رقم 3598، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: كيف أنوي صيام شهر رمضان؟
ج: النية تكون بعقد العزم في القلب على الصيام قبل طلوع الفجر، لا يُشترط التلفظ بها، وقيامك لتناول وجبة السحور هو نية كافية بإذن الله.
س2: هل هناك أدعية مخصصة لكل يوم من أيام رمضان؟
ج: لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة وجود دعاء مخصص لكل يوم من أيام رمضان، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة من القرآن والسنة، وأن يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة في كل وقت.
س3: ما هو أفضل وقت للدعاء في رمضان؟
ج: كل أوقات رمضان مباركة، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي السجود، وفي ليلة القدر.
