صلاة الاستسقاء هي عبادة وسُنَّة نبوية يلجأ إليها المسلمون لطلب السُّقيا ونزول المطر من الله عز وجل عند انقطاعه أو تأخره، اقتداءً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يقيمها عند حدوث الجفاف، يجتمع المسلمون للصلاة والدعاء والتضرع إلى الله، ولهذه الصلاة أحكامها وصفتها وأدعيتها المأثورة التي وردت في الكتاب والسنة.
ما هو حكم صلاة الاستسقاء؟
صلاة الاستسقاء سُنّة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه:
“أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1024، يدل هذا الحديث على حرص النبي ﷺ على إقامتها عند الحاجة للمطر.
كيفية أداء صلاة الاستسقاء وصفتها الصحيحة
تُؤدى صلاة الاستسقاء ركعتين جهراً، وصفتها تشبه صلاة العيد إلى حد كبير، وتكون على النحو التالي:
- يُصلي الإمام بالناس ركعتين في مكان متسع خارج البنيان (المُصلَّى) إن أمكن، وفي أي وقت لا يكون وقت كراهة.
- الركعة الأولى: يبدأ بتكبيرة الإحرام، ثم يُكبِّر سبع تكبيرات، يقرأ بعدها سورة الفاتحة وما تيسر من القرآن، ويُستحب أن يقرأ سورة “سبّح اسم ربك الأعلى”.
- الركعة الثانية: يقوم من السجود مكبراً، ثم يُكبِّر خمس تكبيرات، ويقرأ بعدها سورة الفاتحة وما تيسر، ويُستحب أن يقرأ سورة “الغاشية”.
- بعد الصلاة، يخطب الإمام في الناس خطبة واحدة، يفتتحها بالتكبير والحمد والثناء على الله، ويكثر فيها من الاستغفار وتلاوة الآيات التي تحث عليه.
- قلب الرداء: من السنن الواردة في الاستسقاء أن يقلب الإمام رداءه بعد أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة، فيجعل ما على يمينه على شماله، وما على شماله على يمينه، تفاؤلاً بتغير الحال من الجدب إلى الخصب.
أدعية الاستسقاء الثابتة من القرآن والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو جوامع الكلم والخير والبركة، ومن الأدعية الصحيحة الثابتة في الاستسقاء:
- الدعاء الأول:
“اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ.”
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1169، وصححه الألباني.
- الدعاء الثاني:
“اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1014، قاله النبي ﷺ وهو على المنبر يوم الجمعة.
- الدعاء الثالث:
“اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ.”
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1176، وحسنه الألباني.
- الاستغفار بنية نزول المطر: وهو مأخوذ من قول الله تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴿١١﴾” [نوح: 10-11].
.
صيغ وأدعية عامة منتشرة
يتداول بعض الناس صيغاً أخرى للدعاء في الاستسقاء، وهي وإن كانت حسنة المعنى، إلا أنه لم يثبت تخصيصها بسند صحيح عن النبي ﷺ، يمكن الدعاء بها على وجه العموم دون اعتقاد سنيتها بخصوصها، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ جَلِّلْنَا سَحَابًا، كَثِيفًا، قَصِيفًا، دَلُوقًا، ضَحُوكًا، تُمْطِرُنَا مِنْهُ رَذَاذًا، قِطْقِطًا، سَجْلاً، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لا نَشْكُوهُ إِلا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض أهل العلم والناس، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير كله.
أحكام وآداب متعلقة بصلاة الاستسقاء
- التوبة ورد المظالم: يُستحب قبل الخروج إلى الصلاة حث الناس على التوبة من المعاصي، ورد المظالم إلى أهلها، والصدقة، والصيام؛ لأن المعاصي من أسباب منع القطر، والطاعات من أسباب نزول الرحمات.
- الخروج بخشوع وتذلل: من السنة الخروج إلى المصلى في ثياب متواضعة، مع إظهار الخشوع والتذلل والافتقار إلى الله تعالى.
- وقت الخطبة: اختلف العلماء في وقت الخطبة، فذهب الجمهور إلى أنها تكون بعد الصلاة، وهو الأرجح لما ورد في حديث عبد الله بن زيد المذكور سابقاً.
- تكرار الصلاة: إذا لم ينزل المطر بعد المرة الأولى، يُشرع تكرار صلاة الاستسقاء في أيام أخرى حتى يغيث الله الناس.
المصادر والمراجع
- سورة نوح، الآيتان 10-11.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1024 وحديث رقم 1014، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1169 وحديث رقم 1176، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول صلاة الاستسقاء
ما هو الوقت الأفضل لأداء صلاة الاستسقاء؟
يمكن أداؤها في أي وقت من غير أوقات الكراهة (بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، ووقت الزوال، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)، والأفضل أن يكون في وقت الضحى، كما هو الحال في صلاة العيد.
هل خطبة الاستسقاء قبل الصلاة أم بعدها؟
الراجح من أقوال أهل العلم أنها تكون بعد الصلاة، كما ورد في حديث عبد الله بن زيد في صحيح البخاري، حيث ذكر أن النبي ﷺ “صَلَّى رَكْعَتَيْنِ” ثم خطب.
ما الحكمة من قلب الرداء في صلاة الاستسقاء؟
الحكمة من قلب الرداء هي التفاؤل بتغير الحال من الشدة إلى الرخاء، ومن الجدب إلى الخصب، ومن منع المطر إلى نزوله، وهو اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
