إن من أعظم ما يبتلى به قلب المؤمن هو التعلق بغير الله تعالى، وهو باب للهم والحزن، فكثيراً ما تتعلق القلوب بأشخاص أو أمور، ثم يأتي قدر الله بالابتعاد والفراق، وفي ذلك حكمة بالغة ليرد الله عبده إليه، ويعلمه أن التعلق الحقيقي الذي فيه السعادة والأمان لا يكون إلا به سبحانه، إن التوجه إلى الله بالدعاء هو أعظم وسيلة لتجاوز هذا الألم وتحرير القلب من أسره، والارتقاء به إلى محبة الله وحده.

وفي هذا السياق، نوضح الأدعية الصحيحة والمأثورة التي تعين المسلم على تثبيت قلبه، ونبين حكم الصيغ المنتشرة بين الناس.

أدعية صحيحة من القرآن والسنة لتثبيت القلب وصرفه عن التعلق بغير الله

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، وفيها الكفاية والشفاء، ومن أعظم ما يُدعى به في هذا الباب:

1، دعاء يا مقلب القلوب

كان هذا الدعاء من أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أساس في طلب الثبات للقلب الذي هو محل التعلق والمحبة.

“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”

المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن، وهو دعاء عظيم يسأل فيه العبد ربه أن يثبّت قلبه على دينه وطاعته، فلا يزيغ ولا يتعلق بما يضره في دينه ودنياه.

2، دعاء من القرآن الكريم لعدم زَيغ القلب

هذا دعاء عباد الله الصالحين الذين يسألون الله الثبات بعد الهداية، وهو مناسب لمن يخشى على قلبه من الفتنة والتعلق المذموم.

“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”

المصدر: سورة آل عمران، الآية 8.

3، دعاء الاستخارة لصرف ما فيه شر

دعاء الاستخارة هو منهج نبوي عظيم في كل الأمور، ومنها أمور القلب والارتباط، فإذا تعلق القلب بأمر لا يعلم العبد خيره من شره، فإنه يلجأ إلى الله بهذا الدعاء، وفيه يقول:

“…اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (ويسمي حاجته) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ”

المصدر: صحيح البخاري، هذا الدعاء يعلّم المسلم التسليم المطلق لله، ويسأله أن يصرف عنه ما فيه شر، ويرضّيه بقضائه، وهو من أقوى أسباب السكينة والطمأنينة.

4، دعاء لطلب العفاف والغنى بالله

التعلق بالخلق باب من أبواب الفقر النفسي، والغنى الحقيقي هو غنى القلب بالله، وهذا الدعاء النبوي يجمع خيري الدنيا والآخرة.

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”

المصدر: صحيح مسلم، فمن رزقه الله الغنى به، لم يفتقر قلبه لأحد سواه.

أمثلة على أدعية عامة منتشرة

يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء لمساعدتهم على تجاوز التعلق بشخص معين، ورغم أن الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشرع جائز من حيث الأصل، إلا أن هذه الصيغ لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأولى هو الالتزام بالمأثور، ومن أمثلة هذه الأدعية المنتشرة:

• اللهم اصرف قلبي عن “فلان” كما صرفت يوسف عن المعصية، واصرفني عنه كما صرفت عنه السوء والفحشاء.
• يا رب أزل تعلقه من قلبي، واقطع كل سبب يذكرني به، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به.
• اللهم أغنني بحبك وحلالك عن التعلق بحرامك أو بمن ليس لي فيه نصيب.
• ربي كما أخرجت يونس من بطن الحوت، أخرج هذا التعلق من قلبي وعقلي ونفسي.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.

حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة لنسيان شخص

يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بحاجته وبما يجول في خاطره من الأدعية التي لم ترد في الكتاب أو السنة، ما دامت هذه الأدعية لا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، فباب الدعاء واسع، والله تعالى يقول:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”

[غافر: 60].

ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة، لأنها جامعة للمعاني الصحيحة، وقد أوتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم.

فالأفضل لمن يعاني من التعلق أن يجمع بين الأمرين: يكثر من الأدعية الصحيحة المذكورة أعلاه، ثم يسأل الله حاجته بأسلوبه الخاص بقلب صادق ومتضرع.

نصائح إيمانية لشفاء القلب من التعلق

إلى جانب الدعاء، هناك خطوات عملية تعين على شفاء القلب من هذا الداء:

• إخلاص النية لله: أن يكون ترك هذا التعلق خالصاً لوجه الله تعالى، طلباً لمرضاته وخوفاً من سخطه.
• قطع الأسباب: الابتعاد عن كل ما يذكرك بهذا الشخص، من أماكن أو محادثات أو متابعة على وسائل التواصل.
• ملء الفراغ بالطاعة: إشغال الوقت والقلب بما ينفع، مثل قراءة القرآن، وطلب العلم، والعمل الصالح، والصحبة الطيبة التي تعين على الخير.
• الصبر واليقين: العلم بأن الشفاء من الله، وأن هذا ابتلاء يؤجر عليه العبد إذا صبر واحتسب، وأن الله سيعوضه خيراً.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء لنسيان شخص تعلقت به؟

أفضل الأدعية هي الأدعية النبوية الجامعة التي تعالج أصل المشكلة وهو تقلب القلب، وأعظمها دعاء: “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”، ودعاء الاستخارة لصرف الشر عنك والرضا بقضاء الله.

هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لترك التعلق؟

نعم، يجوز أن تدعو الله بأسلوبك الخاص وبما في قلبك، كأن تقول “اللهم اصرف قلبي عن التعلق بفلان واشغلني بحبك”، بشرط ألا يكون في الدعاء مخالفة شرعية، لكن يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.

ما هي النصيحة الشرعية لمن يعاني من التعلق بشخص؟

النصيحة هي اللجوء الصادق إلى الله بالدعاء، وتقوية الإيمان بالأعمال الصالحة، وقطع كل الأسباب التي تزيد من هذا التعلق، والصبر والاحتساب، واليقين بأن الله سيعوضك خيراً في الدنيا والآخرة إذا تركت شيئاً من أجله.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر