الدعاء لتفريج الكرب وقضاء الحاجة هو جوهر العبادة، ووسيلة المؤمن المباشرة للجوء إلى الله تعالى عند الشدائد، إنه يعبر عن اليقين الكامل بقدرة الخالق سبحانه، والافتقار إليه، يتوجه العبد بقلبه إلى ربه، طالباً العون والرحمة لتيسير أموره وكشف غمه، مستشعراً قوله تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].
والدعاء في أوقات الكرب يعزز إيمان العبد ويجدد يقينه بأن الله هو الملجأ الوحيد، مما يمنحه السكينة والطمأنينة، ولتحقيق القبول، يُستحب للمسلم أن يكون دعاؤه مبنياً على ما ورد في المصادر الشرعية الموثوقة، مع إخلاص النية وحضور القلب.
أدعية صحيحة ثابتة لتفريج الكرب وقضاء الحاجة
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة مباركة، وثابتة المصدر، وفيما يلي بعض من أهم هذه الأدعية:
1، دعاء يونس عليه السلام (دعاء ذي النون)
وهو من أعظم الأدعية لكشف الكروب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
2، دعاء الكرب من السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء عند الكرب، وهو دعاء عظيم يشتمل على توحيد الله وتعظيمه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: “لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريمِ”، (صحيح البخاري).
3، دعاء الهم والحزن وقضاء الدين
هذا الدعاء النبوي جامع لطلب تفريج الهموم وقضاء الديون، ويُظهر التسليم الكامل لله تعالى.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وحزنَه، وأبدلَه مكانَه فرجًا”، (رواه أحمد، وصححه الألباني).
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
أمثلة على صيغ دعاء شائعة
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها حسنة ولا تخالف الشرع، يمكن الدعاء بها على وجه العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل والأكمل، ومن أمثلة ذلك:
- اَللّهُمَّ اجْعَل لي نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُ فيهِ، بِجُودكَ يا اَجْوَدَ اْلأَجْوَدينَ، وأذِقْني فيهِ حَلاوَةَ ذِكْرِكَ، وأداء شُكْرِكَ، وَاحْفَظْني فيهِ بِحِفْظِكَ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ.
- اللّهُمَّ اجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين المستغفرين المُقَرَّبين، اللّهُمَّ اجعلني فيه من المتوكلين عليك الفائزين برحمتك.
- اللهمَّ إليك مددتُ يدي وفيما عندك عظمت رغبتي، فتقبل توبتي وارحم ضعف قوتي واغفر زلتي واقبل معذرتي واجعل لي من كل خير نصيبًا وإلى كل خير سبيلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وتامة، وفيها الخير والبركة لمن لزمها.
فضيلة الدعاء خلال شهر رمضان
يختص شهر رمضان بفضيلة عظيمة، حيث تجتمع فيه بركة الزمان مع شرف العبادة، وقد ربط الله تعالى بين آيات الصيام وآية الدعاء، إشارةً إلى قرب الإجابة في هذا الشهر المبارك.
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة: 186].
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن دعاء الصائم من الدعوات المستجابة، حيث قال:
“ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلومِ”، (رواه الترمذي، حديث حسن).
لذا، ينبغي للمسلم أن يغتنم أوقات هذا الشهر الفضيل، خاصة عند الإفطار وفي أوقات السحر، ليكثر من الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين، طالباً من الله قضاء حاجاته وتفريج كروبه.
أفضل أوقات وأحوال استجابة الدعاء
للدعاء أوقات وأحوال يُرجى فيها القبول أكثر من غيرها، ويستحب للمسلم تحريها ليزداد رجاؤه في الاستجابة، ومنها:
- الدعاء في جوف الليل الآخر: وقت النزول الإلهي، وهو من أرجى الأوقات.
- الدعاء في السجود: لقول النبي ﷺ: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”، (صحيح مسلم).
- الدعاء أثناء الصيام: وخاصة عند الفطر كما ورد في الحديث.
- الدعاء يوم الجمعة: خاصة في الساعة الأخيرة منه قبل غروب الشمس.
- الدعاء عند نزول المطر: فهو وقت رحمة.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة البقرة، الآية 186.
- حديث دعوة ذي النون: سنن الترمذي، رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الكرب: صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الهم والحزن: مسند الإمام أحمد، رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعوة الصائم: سنن الترمذي، رقم 3598، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث أقرب ما يكون العبد من ربه: صحيح مسلم، حديث رقم 482، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لتفريج الكرب الشديد؟
دعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، ودعاء الكرب الثابت في صحيح البخاري “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، كلاهما من أعظم ما يُدعى به لكشف الكروب بإذن الله.
هل هناك دعاء خاص لقضاء الحاجة في رمضان؟
لم يرد في السنة دعاء مخصص لقضاء الحاجة في رمضان، ولكن شهر رمضان كله وقت مبارك ومظنة لإجابة الدعاء، يمكن للمسلم أن يدعو بالأدعية النبوية العامة لقضاء الحاجة وتفريج الكرب في أي وقت من أوقات رمضان.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ الدعاء ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم بركة.
ما هي أهم آداب الدعاء؟
من أهم آداب الدعاء: إخلاص النية لله، والبدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واليقين بالإجابة، وحضور القلب، والإلحاح في الدعاء، وعدم الاستعجال.

