إنَّ من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على عبده أن يوفقه لذكره وشكره وحسن عبادته، فالذكر هو سبيل القلوب إلى الطمأنينة والسكينة، وهو الحصن الذي يأوي إليه المؤمن في مواجهة شتات الفكر وقلق النفس، والدعاء هو مخ العبادة، وجوهر الصلة بين العبد وربه، فبه يطلب العبد من خالقه خيرَي الدنيا والآخرة، من طلبٍ للرزق، أو رفعٍ للبلاء، أو سؤالٍ للفرج في ساعات الكرب والضيق، ومن الأدعية التي تجسد معنى الشكر والامتنان، وتصلح للأوقات التي يسيطر فيها القلق والتفكير الزائد، هو حمد الله وشكره على نعمة العافية، فهو ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو استحضار واعٍ لنعم الله التي لا تنقطع، وتذكير للنفس بأن رحمة الله وعافيته تحيط بنا في كل حين.

دعاء الحمد لله على نعمة الشفاء والعافية

يُعد حمد الله وشكره على نعمة الصحة والعافية من أعظم القربات، فالعافية تاج على رؤوس الأصحاء، وقد ورد في السنة النبوية ما يُقال عند الاستيقاظ من النوم، وهو شكر لله على رد الروح والعافية في الجسد.

• عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ”.

  (رواه الترمذي، حديث حسن).

كما يمكن للمسلم أن يحمد الله ويدعوه بصيغ عامة لم ترد بلفظها في السنة، ما دام معناها صحيحًا، ومن أمثلة ذلك:

• صيغ وأدعية عامة للشكر على العافية:
  تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي جائزة من حيث المعنى العام، ولكنها لم تثبت بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي كافية ومباركة.
• “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَنِي وَعَافَيْتَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ، لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ.”.
• “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنَا الْقُوَّةَ فِي أَبْدَانِنَا، وَالسَّلَامَةَ فِي أَرْوَاحِنَا، حَمْدًا دَائِمًا بِدَوَامِ مُلْكِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.”.
• “يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُدِيمَ عَلَيَّ عَافِيَتَكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ شِفَائِي تَامًّا لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، وَأَنْ تَحْفَظَنِي وَأَهْلِي مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَسُوءٍ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا الرِّضَا بِقَضَائِكَ وَالْيَقِينَ بِحِكْمَتِكَ.”.

أدعية نبوية صحيحة لراحة البال وطمأنينة النفس

الدعاء والذكر من أعظم أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أذكار وأدعية عظيمة تُعين المسلم على دفع الهموم وتحصيل السكينة، ومن هذه الأدعية المأثورة:

• دعاء الكرب: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
  

  “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.

  (متفق عليه).

• دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم، قال تعالى:
  

  “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”

  [الأنبياء: 87]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

  “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”.

  (رواه الترمذي، حديث صحيح).

• كنز من كنوز الجنة: الإكثار من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله” سبب لتفريج الهموم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟” قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”.

  (متفق عليه).

• الباقيات الصالحات: وهي من أحب الكلام إلى الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  

  “أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ”.

  (رواه مسلم).

دعاء التخلص من التفكير المفرط والوساوس

الوساوس والتفكير الزائد من مداخل الشيطان ليُحزن الذين آمنوا، وقد أرشدنا الشرع إلى طرق عملية وإيمانية للتغلب عليها، أهمها الاستعاذة بالله والذكر والدعاء.

أدعية مأثورة للتخلص من الوساوس:

• الاستعاذة بالله والانتهاء عن التفكير: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  

  “يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ”.

  (متفق عليه)، فالعلاج النبوي هو قطع سلسلة الأفكار بالاستعاذة بالله.

• دعاء الهم والحزن: وهو دعاء عظيم يُذهب الله به الهم والغم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”.

  (رواه أحمد، وصححه الألباني).

• سيد الاستغفار: المداومة على الاستغفار من أسباب تفريج الكروب، وأفضل صيغه ما جاء في الحديث:
  

  “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”.

  (رواه البخاري).

أهمية الدعاء في تعزيز الطمأنينة النفسية للمؤمن

للدعاء أثر عميق في حياة المؤمن، فهو ليس مجرد طلب للحاجات، بل هو عبادة جليلة تُظهر افتقار العبد لربه وتوكله عليه، مما يعزز الطمأنينة في قلبه، ومن آثار الدعاء العظيمة:

• صلة بالله مباشرة: الدعاء هو أقوى وسيلة لتقوية الصلة بالله، مما يمنح النفس شعورًا بالأمان والسكينة، كما قال تعالى:
  

  “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”

  [الرعد: 28].

• سلاح المؤمن: الدعاء سلاح فعال يواجه به المؤمن مصاعب الحياة وتحدياتها النفسية والروحية، فهو من أقوى أسباب دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله.
• تحقيق العبودية: إظهار الضعف والافتقار إلى الله هو جوهر العبودية، والدعاء هو أبرز صور هذا الافتقار، وتركه قد يُعد من الاستكبار، قال تعالى:
  

  “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”

  [غافر: 60].

• جلب الخير ودفع الشر: الدعاء مفتاح لكل خير، فهو يجلب الرزق، ويكفر السيئات، ويرفع الدرجات، ويدفع البلاء، ويمنح المؤمن القوة والثبات في مواجهة الفتن.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو أفضل دعاء لراحة البال عند الشعور بالضيق؟

من أفضل الأدعية المأثورة دعاء الكرب: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…” ودعاء يونس عليه السلام: “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، مع الإكثار من ذكر الله والاستغفار.

هل يجوز أن أدعو الله بصيغة من عندي لم ترد في السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بصيغته الخاصة، بشرط ألا يكون في الدعاء اعتداء أو إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، فإن الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية هي الأفضل والأكمل والأكثر بركة.

ما هو العلاج النبوي للتفكير الزائد والوساوس الشيطانية؟

العلاج النبوي يقوم على ثلاثة أسس: أولاً، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم بقول “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، ثانياً، الانتهاء عن هذا التفكير وقطعه وعدم الاسترسال معه، ثالثاً، الاشتغال بذكر الله وقراءة القرآن، خاصة المعوذتين (سورتي الفلق والناس).

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر