إنَّ الدعاء على الظالم مظهرٌ من مظاهر الإيمان الراسخ بعدل الله سبحانه وتعالى، الذي يمهل ولا يهمل، ويستجيب دعوة المظلوم ليس بينها وبينه حجاب، وقد بيّن القرآن الكريم والسنة النبوية أن للظلم عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى هو نصير المستضعفين وملجأ المقهورين.

وقد وعد الله بنصرة المظلومين، فإذا أخذ الظالم أخذه أخذ عزيز مقتدر، كما تتجلى في قصص الأمم السابقة التي طغت وتجبرت، فكانت نهايتها عبرة للمعتبرين، وفي هذا المقال، نستعرض الأدعية المشروعة على الظالمين، مستندين إلى المصادر الموثوقة من الكتاب والسنة، مع بيان الضوابط الشرعية لذلك.

حكم الدعاء على الظالم وضوابطه الشرعية

الدعاء على الظالم جائز شرعًا، وهو من الوسائل التي التجأ إليها الأنبياء والصالحون عند اشتداد البلاء، ومع ذلك، وضع العلماء ضوابط لهذا الدعاء، منها:

• عدم التعدي في الدعاء: لا يجوز الدعاء على الظالم بأكثر مما يستحق، أو أن يشمل الدعاء أهله أو من لا ذنب له.
• الدعاء بالهداية أولى: الدعاء للظالم بالهداية والصلاح خير وأفضل من الدعاء عليه، إلا إذا استمر في ظلمه وطغيانه.
• العفو والصفح: العفو عن الظالم مرتبة إيمانية عالية، ولها أجر عظيم عند الله، كما قال تعالى:
  

  “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”

  [الشورى: 40].

والأصل هو اللجوء إلى الله وطلب النصرة وكف الأذى، مع التيقن بأن الله هو الحكم العدل.

أدعية مأثورة على الظالم من القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم العديد من الأدعية التي دعا بها الأنبياء والمؤمنون لرفع الظلم عنهم، ومنها:

• دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه:
  

  “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”

  (سورة يونس: 88).

• دعاء نوح عليه السلام على قومه بعد أن كذبوه:
  

  “وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا”

  (سورة نوح: 26).

• دعاء عام لطلب النجاة من القوم الظالمين:
  

  “رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”

  (سورة يونس: 85-86).

أدعية ثابتة على الظالم من السنة النبوية

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا في مواقف الشدة على من آذوه وظلموا المسلمين، ومن هذه الأدعية:

• دعاء النبي ﷺ على الأحزاب:
  

  “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ”

  (رواه البخاري ومسلم – حديث صحيح).

• دعاء النبي ﷺ في القنوت على قبائل ظلمت وقتلت المسلمين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاته ويدعو على قبائل مثل رِعْل وذكوان وعُصيَّة.
• تحذيره من دعوة المظلوم: أكد النبي ﷺ على أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد، فقال:
  

  “واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”

  (رواه البخاري ومسلم – حديث صحيح).

أدعية وصيغ عامة للدعاء على الظالمين

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ومع ذلك، يجوز الدعاء بأي صيغة لا تحتوي على محظور شرعي.

• “اللَّهُمَّ إنِّي مَظْلُومٌ فَانْتَصِرْ، اللَّهُمَّ إنَّهُ لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.”.
• “حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالظَّالِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ يَا مُجِيبَ الدُّعَاءِ أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ وَقُوَّتِكَ أَنْ تُرِيَنَا فِي الظَّالِمِينَ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ.”.
• “اللَّهُمَّ إنَّ الظَّالِمَ مَهْمَا كَانَ سُلْطَانُهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْكَ، فَسُبْحَانَكَ أَنْتَ مُدْرِكُهُ أَيْنَمَا سَلَكَ، وَقَادِرٌ عَلَيْهِ أَيْنَمَا لَجَأَ، فَمَعَاذُ الْمَظْلُومِ بِكَ، وَتَوَكُّلُ الْمَقْهُورِ عَلَيْكَ.”.
• “يَا رَبِّ، أَنْتَ مَلَاذِي وَوَجَّهْتُ قَلْبِي وَرَجَائِي إِلَيْكَ وَحْدَكَ، أَسْتَعِينُ بِكَ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، فَاكْشِفْ عَنِّي الْغَمَّ، وَأَزِلْ عَنِّي الْهَمَّ، وَفَرِّجْ كَرْبِي يَا اللهُ الْعَظِيمُ.”.

عاقبة الظلم في قصص القرآن

يذخر القرآن الكريم بقصص الطغاة والظالمين وكيف كانت نهايتهم، لتكون عبرة لمن يعتبر:

• فرعون: بلغ به الطغيان أن ادعى الألوهية، واضطهد بني إسرائيل، فكانت نهايته الغرق في البحر، وجعل الله جسده آية للعالمين، قال تعالى:
  

  “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً”

  [يونس: 92].

• النمرود: الذي تجبر في الأرض وحاجَّ إبراهيم عليه السلام في ربه، فأهلكه الله بمخلوق من أضعف مخلوقاته (البعوض)، ليعلم البشر أن قوة الله لا تُقهر.
• قوم نوح وعاد وثمود: كذبوا رسلهم، وظلموا أنفسهم وغيرهم، فأهلكهم الله بالطوفان والريح العاتية والصيحة، وبقيت آثارهم شاهدة على عاقبة الظلم والتكذيب.

تؤكد هذه القصص أن سنة الله ماضية في إهلاك الظالمين ونصرة المظلومين، وإن بدا أن النصر قد تأخر، فالله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

الدعاء للمستضعفين في كل مكان

إن من واجب المسلم أن يتذكر إخوانه المستضعفين والمظلومين في كل أنحاء العالم في دعائه، فالظلم له صور متعددة، سواء كان احتلالًا للأرض، أو قمعًا للحريات، أو استبدادًا من حاكم، أو اعتداءً على الحقوق.

الدعاء سلاح المؤمن، وهو أقل ما يمكن تقديمه لمن يعانون تحت وطأة الظلم في فلسطين وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين والعالم، سائلين الله أن يرفع عنهم البلاء، وينصرهم على من ظلمهم، ويحقن دماءهم، ويحفظ أعراضهم.

أسئلة شائعة

ما هو أفضل وقت للدعاء على الظالم؟

دعوة المظلوم مستجابة في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء بشكل أكبر، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.

هل يجوز الدعاء على الظالم بذكر اسمه؟

نعم، يجوز تعيين الظالم باسمه في الدعاء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على أشخاص بأعيانهم من المشركين الذين آذوا المسلمين.

ما هو البديل الأفضل للدعاء على الظالم؟

البديل الأفضل هو الدعاء له بالهداية، والعفو والصفح عنه ابتغاء الأجر من الله تعالى، فإن لم يكن بد من الدعاء، فيمكن الدعاء بأن يكفي الله شره ويرد كيده، وهو دعاء لا تعدي فيه.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر