إن بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهو لا ينقطع بموتهما، بل يستمر بالدعاء لهما والصدقة عنهما وغير ذلك من أعمال الخير، فالدعاء للأب المتوفى هو أعظم هدية يقدمها له ابنه، وهو دليل على الوفاء والبر، حيث يصل أثر هذا الدعاء للميت في قبره، فيُرجى أن يرفع الله به درجاته ويغفر له زلاته، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”، (صحيح مسلم، 1631)
وهذا يؤكد الأثر العظيم لدعاء الأبناء الصالحين، والذي يجلب الرحمة والمغفرة لآبائهم بإذن الله.
أدعية مأثورة من السنة النبوية للميت
الأفضل للمسلم أن يدعو للميت بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي أدعية جامعة ومباركة، من هذه الأدعية ما يلي:
- عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ”، (صحيح مسلم، 963)
.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ”، (سنن الترمذي، 1024، حديث صحيح)
.
- دعاء وارد في السنة أيضاً:
“اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، (سنن أبي داود، 3202، حديث صحيح)
.
أدعية عامة وصيغ مأثورة للأب المتوفى
إلى جانب الأدعية الثابتة في السنة، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، والتي تجمع معاني الرحمة والمغفرة والرجاء، إليك بعض الأمثلة على هذه الأدعية العامة:
- اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، اجْعَلْ قَبْرَ أَبِي رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، اللَّهُمَّ وَسِّعْ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَافْرُشْ قَبْرَهُ مِنْ فِرَاشِ الْجَنَّةِ.
- يَا رَبِّ، إِنَّ أَبِي فِي ضِيَافَتِكَ وَجِوَارِكَ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، اللَّهُمَّ جَازِهِ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَبِالسَّيِّئَاتِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا.
- اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى قَبْرِهِ النُّورَ وَالضِّيَاءَ وَالْفُسْحَةَ وَالسُّرُورَ، اللَّهُمَّ امْلَأْ قَبْرَهُ بِالرِّضَا وَالنُّورِ، وَاجْعَلْهُ مِنْ عِبَادِكَ الْمُنَعَّمِينَ فِي جَنَّاتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِي قَدْ صَارَ إِلَيْكَ، فَتَقَبَّلْهُ بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ، وَابْنِ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه: بعض الصيغ المنتشرة بين الناس قد تكون حسنة المعنى، ولكن يجب العلم أن الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ولا يجوز نسبة أي دعاء لم يثبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيصه بفضل معين دون دليل شرعي.
أهمية دور الأب في استقرار الأسرة
وجود الأب في الأسرة هو ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي، فهو يمثل القدوة والموجه، ويسهم بوجوده في بناء بيئة أسرية متماسكة وداعمة، وقد ربط الإسلام دور الأب بمفهوم القوامة والرعاية، كما قال تعالى:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” [النساء: 34]
وغيابه يترك فراغاً كبيراً قد يؤثر على الجوانب التالية:
- الجانب الاقتصادي: غياب الأب قد يؤدي إلى تحديات مادية للأسرة، مما يؤكد أهمية دوره في السعي والكسب لتأمين متطلبات الحياة الكريمة.
- الجانب التربوي والتعليمي: يلعب الأب دوراً حيوياً في دعم أبنائه تعليمياً وتحفيزهم على التحصيل العلمي، وجوده يمثل دافعاً معنوياً كبيراً، وغيابه قد يؤثر على مسيرتهم الدراسية.
أعمال صالحة يصل ثوابها إلى الأب المتوفى
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة عديدة يمكن للأبناء القيام بها ويهدون ثوابها لوالدهم المتوفى، فينتفع بها بإذن الله، من أبرز هذه الأعمال:
- الصدقة الجارية: وهي من أعظم ما يُهدى للميت، كبناء مسجد، أو حفر بئر، أو طباعة مصاحف، أو المساهمة في علم نافع، يستمر أجرها ما دام نفعها باقياً.
- قضاء الديون والنذور: من أعظم البر بالوالد بعد وفاته هو الإسراع في قضاء ما عليه من ديون للعباد، فهي حقوق لا تسقط بالموت، وكذلك الوفاء بما عليه من نذر أو كفارات.
- الحج والعمرة عنه: أجمع أهل العلم على جواز أداء الحج والعمرة عن الميت، ويصله ثوابها كاملاً بإذن الله.
- صلة رحم الأب: من صور البر المستمر، إكرام أصدقاء الأب وصلة أقاربه الذين لا توصل الرحم معهم إلا من طريقه، فهذا من تمام الإحسان إليه بعد موته.



إن الدعاء للأب المتوفى ونشر الأدعية النافعة بنية الصدقة عنه هو تعبير صادق عن الحب والبر، ووسيلة مباركة للابن الصالح ليبقى على اتصال بوالده، راجياً من الله تعالى أن يتقبل منه وأن يجمع بينهما في جنات النعيم.



أدعية للأب المتوفى في أوقات الإجابة
يتحرى المسلم أوقات إجابة الدعاء ليدعو لوالده، ومنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ويوم الجمعة، وفي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وهذه بعض الأدعية التي يمكن الدعاء بها في هذه الأوقات المباركة:
- اللَّهُمَّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ (أو فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَضِيلِ)، أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، أَنْ تَغْفِرَ لِأَبِي وَتَرْحَمَهُ، وَتَجْعَلَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.
- يَا رَبِّ، فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الْمُبَارَكَةِ، اجْعَلْ لِأَبِي نَصِيبًا مِنْ رَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَاجْعَلْهُ يَشْرَبُ مِنْ حَوْضِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ شَرْبَةً هَنِيئَةً مَرِيئَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
- اللَّهُمَّ بِعَدَدِ مَنْ سَجَدَ لَكَ وَكَبَّرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ، اغْفِرْ لِأَبِي وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَاحْشُرْهُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 34.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1631، وحديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1024، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 3202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للأب المتوفى؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في السنة النبوية الصحيحة، لأنه دعاء جامع ومبارك، من أفضل هذه الأدعية: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ…”، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت في صلاة الجنازة.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة تحمل معاني طيبة ولا تخالف الشريعة الإسلامية، كطلب الرحمة والمغفرة ورفع الدرجات للميت، ولكن، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل.
ما حكم نشر صور أدعية للأب المتوفى؟
لا حرج في نشر صور تحتوي على أدعية للميت بنية التذكير بالدعاء له والصدقة عنه، فهذا من التعاون على البر والتقوى، المهم هو التأكد من صحة الأدعية المكتوبة، خاصة إذا كانت منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
هل قراءة القرآن يصل ثوابها لأبي المتوفى؟
اختلف العلماء في مسألة وصول ثواب قراءة القرآن للميت، ذهب جمهور العلماء من الحنفية والحنابلة ومتأخرو الشافعية إلى أن الثواب يصل إلى الميت إذا نواه القارئ، والأفضل للمسلم أن يجمع بين الدعاء والصدقة وسائر الأعمال التي اتفق العلماء على وصول ثوابها للميت.


