الحج فريضة إسلامية عظيمة وركن الإسلام الخامس، فرضه الله سبحانه وتعالى على المستطيع من عباده، وهو رحلة إيمانية مباركة مرتبطة بزمان ومكان محددين، إن أداء هذه الفريضة على الوجه الصحيح يُحقق للمسلم فوائد دينية ودنيوية جليلة، فهي فرصة للتقرب إلى الله تعالى، وتكفير الذنوب، وبدء صفحة جديدة من الحياة بقلبٍ نقيٍّ ونفسٍ مطمئنة، وفي هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والثابتة لأداء مناسك الحج، مع بيان مصادرها الشرعية، لتكون عونًا للحاج في رحلته الروحانية المباركة.

أدعية الحج الصحيحة الواردة في القرآن والسنة

يحرص المسلم على اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه، خاصة في العبادات العظيمة كالحج، وقد وردت العديد من الأدعية والأذكار الصحيحة التي تُقال في كل مرحلة من مراحل الحج، وهي كافية ومباركة.

1، دعاء السفر

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبّر ثلاثاً، ثم قال:

“سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ”.

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1342، والجزء الأول منه آية قرآنية في سورة الزخرف، الآيتان 13-14.

2، التلبية عند الإحرام

عند البدء بالإحرام، يُسن للحاج أن يلبي بصوت مرتفع قائلاً تلبية التوحيد:

“لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ”.

المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 1549؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 1184).

3، الدعاء عند دخول المسجد الحرام

عند دخول المسجد الحرام، يقدم الحاج رجله اليمنى ويقول الدعاء الثابت لدخول أي مسجد:

“أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ..، بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”.

المصدر: حديث صحيح (سنن أبي داود، حديث رقم 466)، أما ما يُشاع من دعاء “اللهم زد هذا البيت تشريفًا…” فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مأثور عن بعض السلف.

4، الدعاء أثناء الطواف

لم يثبت دعاء خاص لكل شوط من أشواط الطواف، وللحاج أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، إلا أنه يُسن أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:

“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.

المصدر: سورة البقرة، الآية 201، وهو حديث حسن (سنن أبي داود، حديث رقم 1892).

5، الدعاء عند السعي بين الصفا والمروة

عندما يقترب من الصفا، يقرأ قوله تعالى:

“إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ”.

المصدر: سورة البقرة، الآية 158.

ثم يستقبل القبلة، فيوحد الله ويكبره ويقول:

“لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ”.

ثم يدعو بين ذلك، ويكرر هذا الذكر ثلاث مرات، ويفعل على المروة كما فعل على الصفا.

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1218.

6، دعاء يوم عرفة

يوم عرفة هو ركن الحج الأعظم، وخير الدعاء دعاء هذا اليوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.

المصدر: حديث حسن (سنن الترمذي، حديث رقم 3585).

7، الدعاء عند رمي الجمرات

يُسن للحاج أن يكبر مع كل حصاة يرميها قائلاً: “الله أكبر”، وبعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى، يتنحى جانباً ويستقبل القبلة ويدعو طويلاً رافعاً يديه.

8، الدعاء عند ذبح الأضحية

عند ذبح الأضحية، يقول: “بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي”.

9، الدعاء عند العودة من الحج

عند الانتهاء من المناسك والعودة إلى بلده، يقول دعاء السفر، ويضيف عليه:

“آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ”.

المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1797.

أدعية عامة وصيغ شائعة تتعلق بالحج

يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء تتعلق بالحج، مثل طلب تيسير الحج أو الدعاء أثناء العمرة، ومن أمثلة ذلك:

• “اللهم ارزقنا زيارة بيتك الحرام، واكتب لنا حجًا قريبًا مبرورًا، وزيارة لقبر نبيك الكريم، واجعلنا من عبادك المقبولين يا أرحم الراحمين.”.
• “اللهم اجعل حجنا حجًا مبرورًا، وسعينا سعيًا مشكورًا، وذنبنا ذنبًا مغفورًا، وتجارتنا لن تبور.”.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي أدعية عامة بمعانٍ طيبة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الصيغة المخصصة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.

أهمية وفوائد أداء فريضة الحج

الحج ليس مجرد رحلة، بل هو مدرسة إيمانية متكاملة تترك أثرًا عميقًا في حياة المسلم، من أهم فوائده:

• تجسيد المساواة: يجتمع المسلمون من كل بقاع الأرض بلباس واحد، لا فرق بين غني وفقير، مما يرسخ مبدأ المساواة والعبودية لله وحده.
• تهذيب الأخلاق: يعلّم الحج المسلم الصبر، وضبط النفس، والبعد عن الجدال والفسوق، مما يساهم في تحسين سلوكه وأخلاقه.
• إحياء الذكريات الإسلامية: كل منسك من مناسك الحج يربط المسلم بتاريخ الأنبياء والصالحين، من إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام، إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
• تزكية النفس: يُعد الحج فرصة عظيمة للتوبة النصوح وتطهير القلب من الذنوب، فالوقوف بعرفة والدعاء بخشوع يجدد الروح ويقوي صلة العبد بربه.
• تقوية الإخلاص: يترك الحاج أهله وماله ودنياه استجابة لأمر الله، مما يجسد أسمى معاني التسليم والإخلاص لله تعالى.

فوائد إضافية لفريضة الحج

تتجاوز فوائد الحج الجانب الروحي الفردي لتشمل أبعادًا اجتماعية وإنسانية واسعة:

• تعزيز الوحدة الإسلامية: يُعد الحج أكبر تجمع إسلامي سنوي، يرسخ أواصر الأخوة والتضامن بين المسلمين من مختلف الثقافات والأعراق.
• تعلم الصبر والانضباط: تتطلب مناسك الحج جهدًا بدنيًا ونفسيًا، مما يعلّم المسلم الصبر على المشاق والالتزام بالنظام والتوقيتات المحددة.
• مغفرة الذنوب: من أعظم فوائد الحج المبرور هو مغفرة الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”، (متفق عليه).

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول أدعية الحج

ما هو أفضل وقت للدعاء في الحج؟

كل أوقات الحج مباركة، ولكن من أفضلها وأرجى الأوقات للإجابة هو يوم عرفة، وكذلك الدعاء أثناء الطواف والسعي، وعند المشعر الحرام، وبعد رمي الجمرتين الصغرى والوسطى.

هل هناك أدعية محددة لكل شوط في الطواف؟

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص بكل شوط، والأفضل أن يدعو المسلم بما يفتح الله عليه من أمور دينه ودنياه، مع الإكثار من قول “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…” بين الركن اليماني والحجر الأسود.

ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟

البديل الصحيح والأفضل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، كما يمكن للمسلم أن يدعو بأي دعاء طيب وبأي صيغة شاء، ما لم تكن تحتوي على محظور شرعي، دون أن ينسبها إلى السنة أو يخصص لها فضلاً لم يرد به دليل.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر