المرض ابتلاءٌ من الله تعالى، يختبر به صبر عباده ويرفع به درجاتهم، وفيه تذكير بنعمة الصحة والعافية، وفي هذه الأوقات، يجد المؤمن ملاذه في التوجه إلى الله بالدعاء، فهو أعظم ما يتسلح به عند الشدائد، وقد حثّ الإسلام على التراحم بين المسلمين، وجعل لزيارة المريض والدعاء له فضلاً عظيماً، لما في ذلك من تقوية لأواصر المحبة، وتخفيف لآلام المريض، ورفع لمعنوياته، نستعرض في هذا المقال أدعية وأذكاراً ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مع بيان فضلها وكيفية الدعاء بها.
أدعية ثابتة من السنة النبوية لشفاء المريض
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية ورقى ثابتة يُستحب الدعاء بها للمريض، وهي تجمع بين طلب الشفاء والتوكل على الله، ومن أصحها:
- الدعاء الأول (عند زيارة المريض): كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً يمسح عليه بيده اليمنى ويقول:
“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.”
المصدر: صحيح البخاري (5743) وصحيح مسلم (2191).
 - الدعاء الثاني (تكراره سبع مرات): قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.”
المصدر: سنن أبي داود (3106)، وسنن الترمذي (2083)، وصححه الألباني.
 - عند الشعور بالألم: يُستحب للمريض نفسه أن يضع يده على موضع الألم من جسده ويقول:
“بِاسْمِ اللهِ (ثلاث مرات)، ثم يقول سبع مرات: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.”
المصدر: صحيح مسلم (2202).
 
الرقية وآيات الشفاء من القرآن الكريم
القرآن الكريم كله شفاء وهدى، وقد خصّ الله بعض آياته بتأثير مباشر في الشفاء بإذنه، يُشرع للمسلم أن يقرأ هذه الآيات على نفسه أو على المريض بنية الرقية والشفاء.
1، الرقية بسورة الفاتحة والمعوذات
تعد سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن، ومن أسمائها “الشافية” و “الكافية”، وكذلك المعوذتان (سورتي الفلق والناس) وسورة الإخلاص، فلها فضل عظيم في الرقية والحفظ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن وينفث على نفسه في مرضه، ويمسح بهما على جسده.
2، آيات الشفاء في القرآن الكريم
هناك آيات ورد فيها لفظ “الشفاء” صراحة، ويستأنس بها العلماء والرقاة في رقية المريض، منها:
- قوله تعالى في سورة التوبة:
“وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة: 14].
.
 - قوله تعالى في سورة يونس:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [يونس: 57].
.
 - قوله تعالى في سورة النحل:
“يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ” [النحل: 69].
.
 - قوله تعالى في سورة الإسراء:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82].
.
 - قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء:
“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80].
.
 - قوله تعالى في سورة فصلت:
“قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ” [فصلت: 44].
.
 
صيغ دعاء عامة للمريض
إلى جانب الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو للمريض بأي صيغة طيبة تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء، وهذه أمثلة على أدعية عامة يمكن الدعاء بها:
- اللَّهُمَّ اشفِ عبدك فلانًا شفاءً تامًا، وألبسه لباس الصحة والعافية، وعافه في بدنه وسمعه وبصره، يا أرحم الراحمين.
 - يا رب، يا من تُجيب دعوة المضطر إذا دعاك، اكشف الضر عن مريضنا، وعجّل له بالشفاء، واجعل ما أصابه تكفيراً لذنوبه ورفعةً في درجاته.
 - اللَّهُمَّ إنَّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تمنّ عليه بالشفاء العاجل، وأن تردّ إليه صحته وعافيته، وأن تحفظه بحفظك يا كريم.
 
الفضل العظيم لعيادة المريض في الإسلام
حثّ الإسلام على عيادة المريض وجعل لها فضلاً عظيماً، فهي من حقوق المسلم على أخيه، وتجسد أسمى معاني التراحم والتكافل، وقد ورد في فضلها نصوص شرعية كثيرة، منها:
- الحديث القدسي: يبين هذا الحديث عظيم منزلة زائر المريض عند الله تعالى.
“إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟…”
المصدر: صحيح مسلم (2569).
 - استغفار الملائكة للزائر: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من يعود مريضًا تحفّه الملائكة وتستغفر له.
“مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ.”
المصدر: سنن الترمذي (969)، وقال: حديث حسن.
 
أهمية زيارة المريض وآدابها
لزيارة المريض أثر نفسي كبير، فهي تُدخل السرور على قلبه، وتشعره بالاهتمام والمؤازرة، مما يعزز أمله بالله ويساعده على التعافي، ومن آداب الزيارة:
- اختيار الوقت المناسب للزيارة وتجنب الإطالة.
 - الدعاء للمريض بالشفاء والعافية.
 - تذكيره بفضل الصبر على البلاء وأن المرض كفارة للذنوب.
 - إظهار التفاؤل وبث الأمل في نفسه.
 
إن عيادة المريض ليست مجرد واجب اجتماعي، بل هي عبادة عظيمة يتقرب بها العبد إلى ربه، وتذكّره بنعمة الصحة، وتزيد من ترابط المجتمع المسلم وتماسكه.
المصادر والمراجع
- سورة التوبة، الآية 14.
 - سورة يونس، الآية 57.
 - سورة النحل، الآية 69.
 - سورة الإسراء، الآية 82.
 - سورة الشعراء، الآية 80.
 - سورة فصلت، الآية 44.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 5743، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2191، 2202، 2569، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن أبي داود، حديث رقم 3106، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن الترمذي، حديث رقم 969، 2083، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء للمريض؟
أفضل الدعاء هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي…”، ودعاء “أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ” سبع مرات، لأنها أدعية جامعة ومباركة وثابتة بالسنة الصحيحة.
هل يجوز الدعاء للمريض بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة طيبة ليس فيها إثم أو اعتداء، فالأصل في الدعاء الإباحة، ولكن الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة أفضل وأعظم بركة.
ما هي أوقات استجابة الدعاء للمريض؟
يُرجى إجابة الدعاء في كل وقت، وتتأكد الإجابة في أوقات مخصوصة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، كما أن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب بإذن الله.
		
