تُعدّ ليلة القدر من أعظم الليالي شأنًا وأرفعها قدرًا في الإسلام، فهي ليلة مباركة اختصها الله -عز وجل- بفضائل جليلة، وجعل العبادة فيها خيرًا من عبادة ألف شهر، إن إحياء هذه الليلة بالصلاة والدعاء والذكر هو دأب الصالحين، وسعي المشتاقين لنيل مغفرة الله ورضوانه، في هذا الدليل الشامل، نستعرض فضل هذه الليلة المباركة، وأفضل الأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، مع توضيح أهم الأعمال المستحبة فيها، وبيان حكم بعض الصيغ المنتشرة بين الناس، ليكون المحتوى مرجعًا موثوقًا لكل مسلم يسعى لتحري هذه الليلة العظيمة والفوز بخيرها.

فضل ليلة القدر وأهميتها في الإسلام

تتمتع ليلة القدر بمكانة فريدة في الإسلام، وتتجسد عظمتها في العديد من الفضائل التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومن أبرزها:

• نزول القرآن الكريم: في هذه الليلة المباركة، بدأ نزول القرآن الكريم، هدايةً للناس ونورًا للعالمين، قال تعالى:
  

  “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ” [القدر: 1].

  .

• خيرٌ من ألف شهر: العمل الصالح فيها من صلاة وذكر ودعاء، يعدل أجر العبادة لمدة ألف شهر، أي ما يزيد على 83 عامًا، قال تعالى:
  

  “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: 3].

  .

• نزول الملائكة: تتنزل الملائكة في هذه الليلة، وعلى رأسهم جبريل عليه السلام، بالخير والبركة والرحمة على العباد القائمين، قال تعالى:
  

  “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ” [القدر: 4].

  .

• ليلة سلام وأمان: يملأ السلام والطمأنينة قلوب المؤمنين وأرجاء الأرض حتى مطلع الفجر، قال تعالى:
  

  “سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ” [القدر: 5].

  .

• مغفرة الذنوب: من قامها إيمانًا واحتسابًا للأجر من الله، غُفرت له ذنوبه المتقدمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” (حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم).

  .

• ليلة تقدير الأقدار: فيها يُقدّر الله مقادير الخلائق السنوية، من آجال وأرزاق وأحداث، وتُكتب في الصحف التي بأيدي الملائكة.

الدعاء المأثور عن النبي ﷺ في ليلة القدر

إن أفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القدر هو الدعاء الذي علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحب الناس إليه، السيدة عائشة رضي الله عنها، حين سألته: “يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟”، قال:

“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”

(حديث صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه).

هذا الدعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، فإذا عفا الله عن العبد، فقد نال السعادة والنجاة والفوز العظيم.

أبرز الأعمال المستحبة في ليلة القدر

يُستحب للمسلم أن يجتهد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان تحريًا لليلة القدر، ومن أفضل الأعمال في هذه الليلة:

• القيام والصلاة: إحياء الليلة بالصلاة هو من أعظم القربات، امتثالًا لقوله ﷺ:
  

  “مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.

  .

• الدعاء والتضرع: الإكثار من الدعاء، وخاصة الدعاء المأثور “اللهم إنك عفو…”، مع الإلحاح وطلب خيري الدنيا والآخرة.
• قراءة القرآن الكريم: تدبر آيات القرآن وتلاوتها، فالقرآن أُنزل في هذه الليلة، وقراءته فيها لها فضل عظيم.
• الذكر والاستغفار: الإكثار من ذكر الله تعالى بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، والمداومة على الاستغفار.
• الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للعبادة، وكان من هدي النبي ﷺ أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان.
• الصدقة: البذل والإنفاق في سبيل الله، فالصدقة في هذه الليلة المباركة يتضاعف أجرها.

علامات ليلة القدر الثابتة في السنة

وردت في السنة النبوية بعض العلامات التي قد يُستدل بها على ليلة القدر، مع التنبيه على أن العبرة هي بالاجتهاد في العبادة في العشر كلها لا تتبع العلامات، ومن أبرزها:

• طلوع الشمس صبيحتها: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، فعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال عن ليلة القدر:
  

  “وأمارتُها أن تطلعَ الشمسُ في صبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها” (حديث صحيح، رواه مسلم).

  .

• ليلة هادئة ومعتدلة: تكون ليلة ساكنة، معتدلة الجو، لا حارة ولا باردة، يشعر فيها المؤمن بطمأنينة وانشراح صدر.

أمثلة على صيغ الدعاء العامة المنتشرة

يتداول الناس بعض صيغ الدعاء العامة التي تحمل معاني طيبة، ويمكن الدعاء بها في ليلة القدر وغيرها من الأوقات، ومن أمثلتها:

• “يَا رَبِّ، أَتَيْنَاكَ بِحَمْلٍ أَثْقَلَتْهُ ذُنُوبُنَا، وَأَرْوَاحٍ اسْتَعَانَتْ بِنِعَمِكَ عَلَى مَا لَا يُرْضِيكَ..، نَسْتَغْفِرُكَ مِنْ عُمْقِ قُلُوبِنَا وَنَرْجُوكَ أَنْ تَقْبَلَ تَوْبَتَنَا، يَا مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، نَطْلُبُ مِنْكَ السِّتْرَ وَالرِّضَا وَالْمَغْفِرَةَ.”.
• “يَا مَنْ كَتَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ الرَّحْمَةَ، وَجَعَلْتَهَا تَسْبِقُ غَضَبَكَ، مَا أَعْظَمَ حِلْمَكَ عَلَيْنَا! أَنْتَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يُعَجِّلُ بِعُقُوبَتِنَا، وَالرَّحِيمُ الَّذِي يُجْزِلُ عَلَيْنَا بِالنِّعَمِ، ارْزُقْنَا يَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِ رَحْمَتِكَ هَذِهِ.”.
• “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاحْفَظْ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَاغْفِرْ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، وَاجْعَلْ قُبُورَهُمْ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَأَسْكِنْهُمُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.”.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، مع جواز الدعاء بما يفتح الله به على العبد من الخير ما لم يكن فيه اعتداء.

ما حكم تخصيص أدعية معينة لليلة القدر؟

الأصل في الدعاء هو الإخلاص والتوجه إلى الله بصدق، أفضل دعاء في ليلة القدر هو الدعاء النبوي المأثور: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، ويجوز للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، دون أن ينسب صيغة معينة لم يثبت بها الدليل إلى هذه الليلة بفضل خاص، أو يعتقد أن لها مزية على غيرها، فباب الدعاء واسع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو أفضل دعاء في ليلة القدر؟

أفضل دعاء هو ما علّمه النبي ﷺ للسيدة عائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

متى تكون ليلة القدر؟

ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، وهي في الليالي الوتر (21, 23, 25, 27, 29) أرجى، وأرجى ما تكون في ليلة السابع والعشرين، ولكن يجب على المسلم الاجتهاد في العشر كلها.

هل علامات ليلة القدر قطعية؟

العلامات المذكورة في السنة هي للاستئناس، وليست قطعية، العبرة هي بالاجتهاد في العبادة في جميع ليالي العشر الأواخر وعدم الانشغال بتتبع العلامات عن العمل الصالح.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر