الدعاء لراحة القلب والتخلص من الهموم هو ملاذ المؤمن وملجؤه في أوقات الشدة والضيق، فالحياة الدنيا دار ابتلاء، ولا تخلو من لحظات يشعر فيها الإنسان بثقل الهم والحزن، فيجد في مناجاة ربه والتوجه إليه طمأنينة وسكينة، وقد بيّن الله تعالى أن ذكره هو السبيل الأوحد لراحة القلوب، فقال عز وجل:
“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]
وهذا يوضح أن الذكر والدعاء هما مفتاح الطمأنينة، والوسيلة التي تفتح للنفس أبواب السكينة وتخفف عنها أثقالها.
أدعية ثابتة من السنة النبوية لراحة القلب وإزالة الهم
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن أعظمها:
- دعاء الكرب والهم: وهو من أجمع الأدعية التي تُذهب الحزن وتُبدله فرجًا وسرورًا، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”، (رواه أحمد، وصححه الألباني).
يحمل هذا الدعاء معاني التوحيد والتوكل الكامل، واليقين بأن الفرج والراحة بيد الله وحده، ويُستحب أن يردده المسلم بخشوع ويقين.
- دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له”، (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
.
دعاء لراحة البال وتسهيل الأمور
راحة البال وتيسير الأمور من أعظم النعم التي يسعى إليها كل إنسان، فالدنيا دار ابتلاء كما قال تعالى:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 155]
والدعاء هو السلاح الذي يواجه به المؤمن تحديات الحياة وصعوباتها، طالبًا من الله العون والتيسير، ويمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية العامة التي تحمل معانٍ طيبة، ومنها:
- اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. (جزء من حديث رواه مسلم).
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَرِيرَتِي خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَتِي، وَاجْعَلْ عَلَانِيَتِي صَالِحَةً. (جزء من دعاء مأثور، رواه الترمذي وفيه ضعف، ولكن معناه صحيح ويجوز الدعاء به).
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ الْعَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي، وَثَقِّلْ مَوَازِينِي، وَحَقِّقْ إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَتِي، وَتَقَبَّلْ صَلَاتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الْعُلَا مِنَ الْجَنَّةِ. (من الأدعية المأثورة التي يجوز الدعاء بها لمعانيها الحسنة).
أمثلة على صيغ منتشرة وتنبيه هام
يتداول بعض الناس صيغًا معينة للأدعية لم تثبت في مصادر التشريع الموثوقة، وفيما يلي مثال على ذلك:
- “يا مُشرِقَ البُرهان، يا قَويَّ الأركان، يا مَنْ رَحمَتُه في كلِّ مكان، احرسني بعينِكَ التي لا تنام، واكنُفني بركنِكَ الذي لا يُرام…”.
تنبيه هام: هذه الصيغة وأمثالها هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير كله، وإن دعا المسلم بأدعية من عنده، فيشترط ألا تحتوي على محظور شرعي وأن تكون معانيها صحيحة.
الحكم الشرعي في الأدعية غير المأثورة
الأصل في الدعاء هو التعبد لله بما شرع، والأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بأدعية من إنشائه أو بأدعية مأثورة عن السلف، بشرطين أساسيين:
- أن يكون معنى الدعاء صحيحًا ولا يخالف العقيدة الإسلامية.
- ألا يُنسب هذا الدعاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو يُعتقد أن له فضلاً خاصًا أو أنه سنة.
فباب الدعاء واسع، ولكن الخير كله في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
أذكار قصيرة لراحة البال والطمأنينة
المداومة على ذكر الله تمنح القلب طمأنينة دائمة، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، ومن الأذكار العظيمة التي تريح القلب:
- الاستغفار: “أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ”، فالاستغفار يمحو الذنوب ويجلب الرزق ويُذهب الهم.
- الباقيات الصالحات: “سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ”، هي أحب الكلام إلى الله، وغراس الجنة.
- الحوقلة: “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ”، وهي كنز من كنوز الجنة، وفيها استعانة وتفويض كامل لله تعالى.
- كثرة الحمد: “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا”، حمد الله وشكره على نعمه يورث الرضا والسكينة.
الدعاء والعبادة مفتاح السكينة
عندما تضيق السبل وتتكاثر الهموم، فإن العبادة والدعاء هما الملاذ الآمن، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول:
“يا بلالُ، أَقِمِ الصلاةَ، أَرِحْنا بها” (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فالصلاة بخشوع وطمأنينة، تليها مناجاة الله بصدق ويقين، هي أعظم ما يمنح القلب السكينة وراحة البال، ويصل العبد بربه، ويجدد الأمل في روحه.
المصادر والمراجع
- سورة الرعد، الآية 28.
- سورة البقرة، الآية 155.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 152.
- حديث “اللهم إني عبدك…”، مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “دعوة ذي النون…”، سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أرحنا بها يا بلال…”، سنن أبي داود، حديث رقم 4985، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني…”، صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لراحة القلب؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل يجب أن ألتزم بصيغة معينة في الدعاء؟
الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب وبما يحتاجه من أمور الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والأفضل دائمًا هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء الكرب “اللهم إني عبدك…” ودعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك…”، فهي جامعة للخير، ومباركة، ومضمونة الإجابة بإذن الله.

