يواجه المسلم في رحلة حياته لحظات من الضيق والهم، وهي ابتلاءات تُمتحن بها النفوس وتزداد بها الحاجة إلى اللجوء إلى الله تعالى، وإنَّ من أعظم ما يتسلح به المؤمن في هذه الأوقات هو الدعاء، فهو العبادة التي تصل العبد بربه مباشرة، وباب الطمأنينة الذي يُنير القلب ويبعث في الروح السكينة، ويُعين على تجاوز المحن والشدائد.
الدعاء النبوي الصحيح للهم والحزن وغلبة الرجال
من أعظم الأدعية التي وردت في السنة النبوية الشريفة للجوء إلى الله عند الشعور بالهم والحزن والعجز، هو الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كان يكثر منه:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
المصدر: هذا الدعاء هو حديث صحيح، رواه الإمام البخاري في صحيحه وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
شرح موجز لمعاني الدعاء:
- الهَمِّ وَالحَزَنِ: الهم هو القلق من أمر مستقبلي، والحزن هو الأسف على أمر قد مضى.
- العَجْزِ وَالكَسَلِ: العجز هو عدم القدرة على فعل الخير، والكسل هو عدم الرغبة فيه مع وجود القدرة.
- الجُبْنِ وَالبُخْلِ: الجبن هو الخوف المذموم الذي يمنع من قول الحق أو فعل الخير، والبخل هو منع ما يجب بذله من مال أو معروف.
- ضَلَعِ الدَّيْنِ: أي ثقل الدين وشدته، حتى يميل بصاحبه عن الاستقامة.
- غَلَبَةِ الرِّجَالِ: أي تسلط الناس وقهرهم وظلمهم، سواء كان ذلك بحق أو بغير حق.
صيغ وأدعية عامة لتفريج الكروب
بالإضافة إلى الدعاء النبوي المأثور، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة تحمل معاني صحيحة، طالبًا منه العون والفرج، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ يا كاشف الهم، ويا مفرج الكرب، اجعل لي من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، وارزقني من حيث لا أحتسب.
- اللَّهُمَّ اجبر كسر قلبي، واغمرني بالفرح والسكينة، واصرف عني الهموم والأحزان، ونجّني من تقلبات الدهر وشرورها يا أرحم الراحمين.
- رَبِّ إنِّي قد مسَّني الضر وأنت أرحم الراحمين، توكلت عليك وفوضت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، فاكشف عني ما أنا فيه من قهر وظلم.
- اللَّهُمَّ افتح لي أبواب الخير والتوفيق، واجعلني ثابتًا أمام البلاء، وأكرمني بالصبر والقوة، وارحمني رحمةً واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بلفظها المحدد بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، مع جواز الدعاء بما لا يخالف الشرع.
ما صحة دعاء “اللهم إني أعوذ بك من قهر الرجال”؟
الدعاء بلفظ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ..، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» هو دعاء ثابت وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في صحيح البخاري (حديث رقم 2893) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء، والاستعاذة من “غلبة الرجال” جزء أصيل من هذا الدعاء المبارك، وهي تعني طلب الحماية من تسلط الآخرين وقهرهم.
وسائل شرعية لتجاوز القهر والتخلص من الهم
بجانب الدعاء، هناك أعمال وسلوكيات إيمانية عظيمة تُعين المسلم على تجاوز المحن والشعور بالقهر، ومن أهمها:
1، التوكل الصادق على الله
إن إسناد الأمر كله لله تعالى مع بذل الأسباب يزرع في القلب طمأنينة عظيمة، فالمؤمن يثق بأن الله لن يضيعه، قال تعالى:
“…وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ…” [الطلاق: 3]
2، المداومة على ذكر الله
ذكر الله تعالى هو غذاء الروح وسكينتها، وهو الحصن الذي يحمي المسلم من اليأس والقنوط، قال سبحانه:
“…أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]
3، الصبر والتروي
الصبر عند الشدائد من أعظم مقامات الإيمان، وهو يُمكّن المسلم من التعامل مع المحن بحكمة وثبات، ويقين بأن بعد العسر يسرًا.
4، الإكثار من الأعمال الصالحة
الأعمال الصالحة، كالصدقة والصلاة وقراءة القرآن، هي من أسباب تفريج الكروب وراحة النفس، فهي تقرب العبد من ربه وتجعله في معيته وحفظه.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 2893، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة الطلاق، الآية 3.
- سورة الرعد، الآية 28.
أسئلة شائعة حول دعاء الهم والحزن
ما هو الدعاء الصحيح للهم وقهر الرجال؟
الدعاء الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
ما معنى “غلبة الرجال” في الحديث؟
المقصود بها هو تسلّط الناس وقهرهم وظلمهم للإنسان، سواء كان ذلك بالحق (كمن يطالبه بدين لا يستطيع سداده) أو بغير حق (كالظلم والعدوان).
هل يجوز الدعاء بصيغ أخرى غير الواردة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، ولكن، الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
