إن من أعظم نعم الله تعالى على عباده أن فتح لهم أبواب ذكره، وجعلها يسيرة على الألسن، ثقيلة في الميزان، ومن كنوز السنة النبوية الشريفة ذكرٌ عظيم يجمع بين التنزيه والحمد، وهو قول “سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ”، هذا الذكر المبارك من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وقد ورد في فضله ما يبعث على المداومة عليه لنيل الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
- الصيغة الصحيحة: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ.
- من صيغ التسبيح والتهليل: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
فضل ذكر “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم” في السنة الصحيحة
للتسبيح بهذه الصيغة المباركة مكانة جليلة في الإسلام، وقد بيّنت السنة النبوية المطهرة فضلها وشرفها في أحاديث صحيحة وثابتة، تؤكد على عظيم الأجر الذي يناله المسلم المحافظ عليها.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» (متفق عليه: رواه البخاري، حديث رقم 6682، ومسلم، حديث رقم 2694)، وهذا الحديث أصل عظيم في بيان فضل هاتين الكلمتين، فمع سهولتهما، إلا أن أجرهما يثقل ميزان العبد يوم القيامة. 
- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ» (رواه الترمذي، حديث رقم 3464، وصححه الألباني)، وهذا يبين أن كل مرة يردد فيها المسلم هذا الذكر، فإنما هو استثمار أخروي عظيم، يزداد به نعيمه في الجنة. 

فضل تكرار “سبحان الله وبحمده” مائة مرة
ورد في السنة النبوية الصحيحة حثٌ خاص على تكرار “سبحان الله وبحمده” مائة مرة في اليوم، لما يترتب على ذلك من فضل عظيم في مغفرة الذنوب ورفعة الدرجات.
- لمغفرة الذنوب: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (رواه البخاري، حديث رقم 6405)، ويوضح العلماء أن المقصود هنا هو صغائر الذنوب، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة نصوح بشروطها، استنادًا لقوله تعالى: “إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ” [النساء: 31] . 
- لأفضلية الأجر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» (رواه مسلم، حديث رقم 2692)، وهذا الحديث يوضح أن المداومة على هذا الذكر صباحًا ومساءً سبب لرفعة الدرجات يوم القيامة. 
صيغة “سبحان الله وبحمده، أستغفر الله” وحكمها
يجمع كثير من الناس بين التسبيح والاستغفار بهذه الصيغة، ورغم أنه لم يرد حديث يجمع هذه الكلمات الثلاث بهذا الترتيب كنص واحد، إلا أن كل جزء منها له أصل ثابت في السنة النبوية، والجمع بينهما عمل صالح ومستحب.
- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت:
 «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}» (رواه مسلم، حديث رقم 484). 
- كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الاستغفار، فعن الأغر المزني -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» (رواه مسلم، حديث رقم 2702). 
فالجمع بين التسبيح بحمد الله وطلب المغفرة منه هو من أعظم القربات، وهو امتثال لأمر الله في سورة النصر، واقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

تنبيه هام: أحاديث منتشرة لا تصح في فضل هذا الذكر
ينتشر بين الناس بعض الأحاديث التي لا أصل لها أو التي ثبت ضعفها الشديد في فضل هذا الذكر، ولا يجوز شرعًا روايتها أو نشرها إلا للتحذير منها، لأن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»
(رواه البخاري، حديث رقم 1291).
ومن هذه الأحاديث غير الصحيحة:
- حديث يُنسب لابن عمر عن رجل اشتكى ضيق الرزق، فنصحه النبي بـ “صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق” وأن يقول “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأستغفر الله” مائة مرة بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، وأن الدنيا ستأتيه..، إلخ، هذا الحديث مكذوب ولا أصل له..
- حديث “من قال سبحان الله وبحمده، خلق الله ملكًا له عينان وجناحان..، يستغفر لقائلها إلى يوم القيامة”، هذا الحديث لا إسناد له وهو غير ثابت..
- حديث يُنسب لأنس بن مالك: “من قال: سبحان الله وبحمده: غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة جذورها من الذهب…”، هذا الحديث ضعيف جدًا ومبالغ فيه، ولا يصح..
والأحاديث الصحيحة الواردة في فضل هذا الذكر فيها الكفاية والبركة، وهي تغني عن هذه الروايات الواهية.
النطق الصحيح للذكر مع التشكيل
لضمان النطق السليم وتحقيق المعنى الكامل للذكر، يُستحب ترديده بالتشكيل الصحيح، ومعنى الذكر هو تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب، مع اقتران هذا التنزيه بالحمد والثناء عليه بصفات كماله وعظمته.
- سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ..
إن التسبيح عبادة عظيمة تقوم بها جميع المخلوقات، كما قال تعالى:
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” [النور: 41]
عبارات مزخرفة (للاستخدام الجمالي)
قد يرغب البعض في استخدام صيغ مزخرفة لهذا الذكر في التصاميم أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، نورد هنا بعض الأمثلة مع التنبيه على أن الأصل هو النطق باللفظ الصحيح، وهذه الزخارف هي للعرض البصري فقط.
- ڛۣــبــحۡــٰا̍نۨــﷲ ۛ ּﷻ ۖ ﯟبــحۡــمۘــدہ ۛ ּڛۣــبــحۡــٰا̍نۨــﷲ ۛ ּﷻ ̨ا̍ڸــ؏ــڟــﯧْۧــمۘ ۗ.
- سـ,ـُبـ,ـْحـ,ـَآنـ,ـَ آلـ,ـلـ,ـَّهـ,ـِ ۅَبـ,ـِحـ,ـَمـ,ـْدِهـ,ـِ، سـ,ـُبـ,ـْحـ,ـَآنـ,ـَ آلـ,ـلـ,ـَّهـ,ـِ آلـ,ـْعـ,ـَظـ,ـِيـ,ـمـ,ـِ.
- سہُبْحہَانَ الہلہَّهِ وَبِحہَمْدِهِ، سہُبْحہَانَ الہلہَّهِ الہْعہَظِيہمِ.
- سُبـ♥ْ̨̥̬̩حـ♥َ̨̥̬̩انَ اللَّهِ وَبـ♥ِ̨̥̬̩حـ♥َ̨̥̬̩مـ♥ْ̨̥̬̩دِهِ، سُبـ♥ْ̨̥̬̩حـ♥َ̨̥̬̩انَ اللَّهِ الْعَظ♥ِ̨̥̬̩يمـ♥ِ̨̥̬̩.
- س͠ب͠ح͠آ͠ن͠ آ͠ل͠ل͠ه͠ و͠ب͠ح͠م͠د͠ه͠ س͠ب͠ح͠آ͠ن͠ آ͠ل͠ل͠ه͠ آ͠ل͠ع͠ظ͠ي͠م͠.
فضل تذكير الآخرين بالذكر
يُعد تذكير المسلمين بذكر الله من أعظم أبواب الخير، فالدال على الخير كفاعله، ومشاركة الأذكار الصحيحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها هو عمل بقوله تعالى:
“وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” [الأعراف: 205]
فكن سببًا في تذكير غيرك، ولك أجرهم بإذن الله، إليك صيغ بسيطة جاهزة للمشاركة:
- لا تنسَ وردك اليومي: “سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ”، كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان.
- اغرس لك نخلة في الجنة بقراءة: “سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ”.
- “مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ”، (رواه البخاري).
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 31.
- سورة النور، الآية 41.
- سورة الأعراف، الآية 205.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم: 1291، 6405، 6682، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم: 484، 2692، 2694، 2702، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3464، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت لقول “سبحان الله وبحمده” مائة مرة؟
أفضل وقت هو في أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وفي أذكار المساء بعد صلاة العصر أو المغرب، كما ورد في حديث مسلم: “من قال حين يصبح وحين يمسي…”، ويمكن قولها في أي وقت من اليوم، والأجر حاصل بإذن الله.
هل حديث التسبيح لجلب الرزق صحيح؟
لا، الحديث المتداول الذي يربط قول “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله” مائة مرة قبل الفجر بجلب الرزق هو حديث مكذوب لا أصل له، ورغم أن ذكر الله عمومًا من أسباب البركة، إلا أنه لا يجوز تخصيص فضل معين لم يثبت بدليل صحيح.
هل هذا الذكر يغفر الكبائر؟
الحديث الشريف “حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ” يحمله العلماء على صغائر الذنوب، أما الكبائر (مثل الشرك، عقوق الوالدين، الربا) فلا تكفرها إلا التوبة الصادقة النصوح التي تكتمل فيها شروط الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه.
