تُعدّ التعزية والمواساة عند المصاب من القيم الإسلامية النبيلة التي تعكس التراحم والتكافل بين المسلمين، فالموت حقٌ وسُنّةٌ إلهية، ويتمثل واجب المسلم تجاه أخيه في الوقوف بجانبه في شدته، والدعاء لفقيده بالرحمة والمغفرة، إن الدعاء للميت من أعظم صور البرّ به بعد وفاته، كما أن كلمات المواساة الصادقة تخفف من وطأة الحزن على أهله، وتذكرهم بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
إن الهدف الأسمى من التعزية هو تذكير أهل المصاب بالثواب العظيم للصبر، وحثهم على الاسترجاع بقول “إنا لله وإنا إليه راجعون”، والدعاء للميت بالمغفرة ولهم بالأجر والسلوان، امتثالاً لتعاليم الشرع الحنيف.
ألفاظ التعزية في السنة النبوية الشريفة
جاء في السنة النبوية الشريفة ما يُستحب قوله عند تعزية المسلم لأخيه، وهي أفضل الصيغ وأعظمها أجراً لاشتمالها على المعاني الإيمانية العميقة من التسليم بقضاء الله والرجاء في رحمته، من أبرز ما ورد:
- الدعاء المأثور عن النبي ﷺ: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه: أن ابنا لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول:
“إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ”.
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم)، هذا الدعاء هو أصل في باب التعزية، ويجمع معاني الإيمان والتسليم لله تعالى.
 - التذكير بالصبر عند الصدمة الأولى: من المهم تذكير أهل المصاب بفضل الصبر، خاصة في اللحظات الأولى للفقد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى”.
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم).
 
صيغ شائعة ومأثورة في التعزية وحكمها
إلى جانب ما ورد في السنة، انتشرت بين المسلمين صيغٌ حسنة للدعاء والمواساة، لا تخالف الشرع في معناها، وأصبحت من العادات الطيبة في مجتمعاتهم، من هذه الصيغ:
- “عَظَّمَ اللهُ أَجْرَكُمْ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكُمْ”..
 - “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، جَبَرَ اللهُ مُصَابَكُمْ وَغَفَرَ لِفَقِيدِكُمْ”..
 - “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، نَسْأَلُ اللهَ لَهُ الرَّحْمَةَ وَالمَغْفِرَةَ وَلَكُمْ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ”..
 
تنبيه هام وحكم هذه الصيغ: ذكر الإمام الشافعي وغيره من أهل العلم أن هذه الصيغ حسنة؛ لأن المقصود من التعزية هو الدعاء لأهل الميت بالصبر والأجر، وللميت بالرحمة والمغفرة، وهذه العبارات تحقق هذا المقصد بمعانٍ صحيحة، فالأمر في ألفاظ التعزية واسع، والأفضل هو استخدام ما ورد في السنة، ولا حرج في استخدام ما جرى عليه العرف من عبارات لا تخالف الشرع.
أدعية جامعة للمتوفى عند التعزية
يمكن للمُعزّي أن يدعو للميت بأدعية جامعة تجمع له خيري الدنيا والآخرة، فالدعاء هو أعظم هدية تصل إليه، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ”، (جزء من حديث صحيح رواه مسلم).
 - “اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ”، (جزء من حديث صحيح رواه مسلم).
 - “اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، (حديث حسن رواه أبو داود وابن ماجه).
 
كيفية الرد على عبارات التعزية
عندما يقدم لك أحدهم واجب العزاء، يُستحب الرد عليه بكلمات طيبة تحمل معنى الشكر والدعاء له، اعترافًا بفضله في المواساة، من الردود المناسبة:
- “شَكَرَ اللهُ سَعْيَكُمْ، وَجَزَاكُمْ اللهُ خَيْرًا”.
 - “الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَا أَرَاكُمُ اللهُ مَكْرُوهًا فِي عَزِيزٍ لَدَيْكُمْ”.
 - “اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَكُمْ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكُمْ”.
 
حكم صنع الطعام لأهل الميت (وليمة العزاء)
السنة المستحبة هي أن يقوم الجيران أو الأقارب بصنع الطعام لأهل الميت وإرساله إليهم، وذلك لانشغالهم بمصابهم وحزنهم، والدليل على ذلك هو توجيه النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال:
“اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ”.
(حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه).
أما قيام أهل الميت أنفسهم بصنع وليمة وطعام للناس الذين يأتون للتعزية، فقد اعتبره جمع من أهل العلم، ومنهم الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، من النياحة المنهي عنها، فالمشروع هو التخفيف عنهم لا زيادة الأعباء عليهم، وعليه، فالسنة هي إطعام أهل الميت، وليس العكس.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
 - صحيح البخاري، وصحيح مسلم، (يمكن مراجعتهما على موقع Sunnah.com).
 - سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
 - أقوال أهل العلم في فقه التعزية كما وردت في كتب المذاهب المعتبرة.
 
أسئلة شائعة حول التعزية
ما هو أفضل وقت للتعزية؟
أفضل وقت للتعزية هو عقب الوفاة مباشرة ولمدة ثلاثة أيام، الحكمة من ذلك هي أن أهل الميت يكونون في أشد الحاجة للمواساة والدعم في هذه الفترة، ولا يُشرع تجديد العزاء بعد هذه المدة إلا لمن كان غائباً أو لم يعلم بالخبر إلا متأخراً.
هل عبارة “عظم الله أجركم” واردة في حديث نبوي؟
لم ترد هذه الصيغة بلفظها في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها عبارة حسنة درج عليها السلف والعلماء واستحبوها لأن معناها صحيح، فهي دعاء للأهل بالأجر وللميت بالمغفرة، والأمر في ألفاظ التعزية واسع طالما أن المعنى صحيح ولا يخالف الشرع.
ما حكم الاجتماع في بيت أهل الميت لتلقي العزاء؟
الاجتماع في بيت أهل الميت وتخصيص مكان لتلقي العزاء لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، السنة هي أن يُعزّى المصاب حيثما وُجد (في المسجد، في الطريق، في المقبرة)، أما تخصيص مكان وجلوس مستمر، فقد يجدد الأحزان ويزيد من مشقة أهل الميت، لذا كرهه بعض أهل العلم إذا اقترن به منكرات أو تكلف زائد.
		


