عندما يشعر الإنسان بالظلم أو أن حقاً من حقوقه قد سُلب، فإن أعظم ملجأ له هو الله سبحانه وتعالى، فالدعاء سلاح المؤمن، والتوجه إلى الله بيقين هو السبيل لطلب النصرة واسترداد الحقوق، إن الشعور بالقهر ثقيل على النفس، ولا يجد القلب المهموم سكينة إلا في مناجاة خالقه، القويّ العادل، الذي حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً.
وقد وعد الله تعالى بنصرة المظلوم، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:
“…وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ” (متفق عليه).
فكل دعوة تخرج من قلب صادق مكلوم ترتفع إلى السماء، فيسمعها الحكم العدل، وهو القادر سبحانه على أن يرد الحقوق لأصحابها ويجبر كسر قلوبهم في الدنيا والآخرة.
أدعية قرآنية ونبوية ثابتة للمكروب والمظلوم
الأصل في الدعاء هو الالتجاء إلى الله بما ورد في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية هي الأجمع للخير والأعظم بركة، ومن الأدعية الصحيحة التي يمكن للمظلوم أن يدعو بها:
- دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت: وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، قال تعالى:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
 - دعاء الكرب من السنة النبوية: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (صحيح البخاري).
.
 - التوكل على الله والاستعانة به: وهو قول المؤمنين عند الشدائد، كما ذكر الله عن الصحابة في حمراء الأسد:
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” [آل عمران: 173].
.
 - دعاء نبوي لطلب رحمة الله: عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (دعوات المكروب):
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ” (حديث حسن، رواه أبو داود).
.
 
صيغ وأدعية شائعة للمظلوم والمقهور
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء على الظالم أو لطلب استرداد الحق، وهي تعبر عن حال المظلوم وحاجته إلى الله، نورد هنا بعض الأمثلة عليها للتوضيح:
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، عَلَيْكَ بِمَنْ قَهَرَنِي وَظَلَمَنِي وَاسْتَبَدَّ بِي وَأَوْجَعَ قَلْبِي، اشْفِ صَدْرِي وَعَظِّمْ أَجْرِي وَخُذْ حَقِّي مِنْ كُلِّ مَنِ اسْتَغَلَّ ضَعْفِي وَضَيَّقَ عَلَيَّ.
 - يَا اللهُ يَا عَالِماً بِمَا تُخْفِيهِ الْقُلُوبُ وَيَا مُجِيبَ السَّائِلِينَ، إِنَّكَ تَرَى فِي دَاخِلِي مِنَ الْقَهْرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ، فَارْزُقْنِي بَرْداً لِنَفْسِي وَبِشَارَاتٍ تُزِيلُ مَا فِي قَلْبِي، وَرُدَّ الظُّلْمَ عَلَى مَنْ قَهَرَنِي مُضَاعَفاً، وَعَوِّضْنِي خَيْراً عَنْ صَبْرِي كَمَا وَعَدْتَ عِبَادَكَ الصَّابِرِينَ.
 - رَبِّي إِنِّي أَرْفَعُ إِلَيْكَ قَلْبِي الْمُنْكَسِرَ وَرُوحِي الْمُتْعَبَةَ، ظَلَمَتْنِي يَدٌ وَكَسَرَتْ شُعُورِي، فَانْصُرْنِي عَلَى مَنِ اسْتَبَاحَ حَقِّي وَأَعِدْ لِي حُقُوقِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
 - يَا مَنْ لَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ وَلَا الْحُقُوقُ، يَا عَالِمَ الْغُيُوبِ وَيَا كَاشِفَ الْكُرُوبِ، أُفَوِّضُ الْأَمْرَ إِلَيْكَ، وَأَسْتَوْدِعُكَ دَعْوَايَ، فَلَا يُعِيدُ حَقِّي إِلَّا قُوَّتُكَ، عَوِّضْنِي خَيْراً وَانْصُرْنِي نَصْراً عَظِيماً.
 - اللَّهُمَّ يَا قَهَّارُ يَا عَزِيزُ يَا مُنْتَقِمُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَنصُرَنِي نَصْراً مُؤَزَّراً عَلَى مَنِ اسْتَبَاحَ حَقِّي وَسَلَبَ مَالِي، اللَّهُمَّ أَرِنِي فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ وَرُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
 
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن شكواهم إلى الله، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.
ما حكم الدعاء على الظالم؟
الدعاء على الظالم جائز شرعاً بقدر مظلمته دون تعدٍّ في الدعاء، ودليل ذلك قول الله تعالى:
“لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” [النساء: 148].
ومع ذلك، فإن العفو والصفح عن الظالم له أجر عظيم عند الله، وهو من مراتب الإحسان العالية، كما قال تعالى:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” [الشورى: 40].
فالمسلم مخيّر بين الدعاء على من ظلمه بقدر مظلمته، أو الصبر والعفو ابتغاء الأجر الأعظم من الله تعالى.
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
يتحرى المسلم الأوقات والأحوال التي هي أرجى للإجابة، ليرفع شكواه إلى الله، ومنها:
- الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟”.
 - بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يُرد كما ورد في الحديث.
 - في السجود: فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
 - يوم الجمعة: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.
 
المصادر والمراجع
- حديث “اتق دعوة المظلوم”: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 2448، وصحيح مسلم، حديث رقم 19)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سورة الأنبياء، الآية 87.
 - حديث “دعاء الكرب”: صحيح البخاري، حديث رقم 6346.
 - سورة آل عمران، الآية 173.
 - حديث “دعوات المكروب”: سنن أبي داود، حديث رقم 5090، وحسنه الألباني.
 - سورة النساء، الآية 148.
 - سورة الشورى، الآية 40.
 
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للمظلوم؟
أفضل الأدعية هي ما وردت في القرآن والسنة، مثل دعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، وقول “حسبنا الله ونعم الوكيل”، ودعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، هذه الأدعية جامعة للخير وفيها تفويض الأمر لله تعالى.
هل يجوز الدعاء على الظالم بأسماء معينة؟
نعم، يجوز الدعاء على الظالم وتعيينه باسمه، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أقوام بأعيانهم، ولكن يجب ألا يتعدى الداعي في دعائه، فيدعو عليه بقدر مظلمته فقط.
هل العفو عن الظالم أفضل من الدعاء عليه؟
نعم، العفو والصفح مرتبة إيمانية أعلى وأجرها أعظم عند الله، وهي من صفات المحسنين، ولكن الدعاء على الظالم هو حق مشروع للمظلوم، فله أن يختار ما يطمئن إليه قلبه.
		

جيدا