يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فهو صلة مباشرة بالخالق، ومفتاح للخيرات، وسبب لتفريج الكروب، والأصل في الدعاء أن يكون بما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، نستعرض هنا شرحًا وتصحيحًا لبعض الأدعية المتداولة مع بيان الصحيح منها والمأثور.
دعاء “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي”: نصه وحكمه الشرعي
من الأدعية التي اشتهرت على ألسنة الناس دعاء يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله بعد عودته من الطائف، ونصه الكامل هو:
- 
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.
.
 
الحكم الشرعي للدعاء ومدى صحته
تنبيه هام بخصوص درجة صحة الحديث: هذا الحديث المشهور بقصة الطائف قد رواه الطبراني وغيره، ولكن أسانيده ضعيفة، وقد بيّن أهل العلم بالحديث، مثل الإمام الألباني وغيره، أن هذا الحديث ضعيف الإسناد، ورغم أن معانيه صحيحة ولا تتعارض مع أصول الشريعة، فإن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الجزم لا تصح.
لذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بمعانيه الطيبة التي تتضمن التذلل لله والافتقار إليه، ولكن دون الاعتقاد بأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أن له فضلًا خاصًا مرتبطًا به، والأولى دائمًا هو الالتزام بالأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
أدعية صحيحة من السنة النبوية لقضاء الحاجات وتفريج الكروب
فيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تعد من جوامع الدعاء لقضاء الحوائج وتيسير الأمور:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.
(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
 - دعاء باسم الله الأعظم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ…
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى”، (رواه أهل السنن، وصححه الألباني).
 - دعاء تفريج الكرب:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
(متفق عليه).
 
أمثلة على صيغ دعاء عامة منتشرة
يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها مقبولة بشكل عام، يمكن الدعاء بها على سبيل الدعاء العام، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكمل، ومن أمثلة ذلك:
- لطلب الرزق: يَا اللهُ، أَسْأَلُكَ فَرَحَةً تَغْمُرُ حَيَاتِي، وَسَعَادَةً تَمْتَدُّ فِي رُوحِي، وَاجْعَلْ كُلَّ النِّعَمِ الَّتِي مَنَحْتَنِي إِيَّاهَا بَرَكَةً وَخَيْرًا عَلَيَّ، وَأَبْعِدْنِي عَنْ كُلِّ شَرٍّ وَخَطِيئَةٍ.
 - للزواج الصالح: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجًا صَالِحًا (أو زَوْجَةً صَالِحَةً) يَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَى طَاعَتِكَ، وَيَقُودُنِي إِلَى كُلِّ مَا يُرْضِيكَ عَنِّي، وَاجْعَلْنِي أَقْرَبَ إِلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
 - لتحقيق الأمنيات: يَا رَبِّ، أَلْهِمْنِي تَحْقِيقَ أَحْلَامِي وَأُمْنِيَاتِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ الْخَيْرِ حَيْثُمَا كُنْتُ، وَاجْعَلْ طُمُوحَاتِي وَاقِعًا يَتَحَقَّقُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ.
 
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.
أهمية الدعاء وآدابه
للدعاء مكانة عظيمة في الإسلام، فهو العبادة ذاتها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكي يكون الدعاء أرجى للقبول، يُستحب مراعاة الآتي:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الداعي قاصدًا وجه الله وحده بدعائه.
 - البدء بالثناء على الله والصلاة على النبي: حمد الله وتمجيده، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل طلب الحاجة.
 - اليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له.
 - عدم الاستعجال: ألا يقول المسلم: “دعوت فلم يُستجب لي”.
 - تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
 
المصادر والمراجع
- حديث “اللهم إني أسألك من الخير كله…”: رواه ابن ماجه (3846)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث اسم الله الأعظم: رواه أبو داود (1495)، والترمذي (3475)، والنسائي (1300)، وابن ماجه (3858)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث دعاء الكرب: رواه البخاري (6346)، ومسلم (2730)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حكم حديث الطائف “اللهم إليك أشكو…”: تم بيان ضعفه من قِبل العديد من المحدثين، منهم الشيخ الألباني في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (لم يصححه).
 
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- هل دعاء “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي” صحيح؟
لا، الحديث الذي ورد فيه هذا الدعاء إسناده ضعيف، فلا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معانيه صحيحة ويمكن الدعاء بها بشكل عام دون اعتقاد ثبوتها. - ما هو أفضل دعاء لقضاء الحاجة؟
الأفضل هو استخدام الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، مثل دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله…”، ودعاء اسم الله الأعظم، مع الإخلاص واليقين بالله. - هل يجوز أن أدعو الله بأسلوبي الخاص؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء. 
		
