إن من أعظم القربات وأسباب استجابة الدعاء، أن يتوجه المسلم إلى ربه بالدعاء عقب إتمام عبادة جليلة، ومن ذلك الدعاء بعد ختم تلاوة القرآن الكريم، فهذا الموطن من مواطن إجابة الدعاء، حيث يجتمع فضل الزمان (إن كان في رمضان) مع فضل العمل الصالح (ختم القرآن)، فيُرجى للداعي القبول والإجابة.
الحكم الشرعي لدعاء ختم القرآن الكريم
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ معين بلفظ محدد يُقال عند ختم القرآن الكريم، فما يُوجد في بعض المصاحف من دعاء مطبوع في آخرها هو من اجتهاد بعض العلماء أو النُسّاخ، وليس له أصل ثابت في السنة النبوية.
ولكن، ثبت عن بعض الصحابة والسلف الصالح استحباب الدعاء بعد الختم، ومن أشهر ما ورد في ذلك هو فعل الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه:
كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم، (أثر صحيح، رواه ابن أبي شيبة في المصنف والدارمي في سننه).
بناءً على هذا الأثر وغيره، استحب العلماء للمسلم إذا ختم القرآن أن يجمع أهله ويدعو بما تيسر له من خيري الدنيا والآخرة، فالدعاء عقب العمل الصالح أقرب للإجابة.
أدعية مأثورة وجوامع الدعاء يُستحب الدعاء بها
بما أنه لا يوجد نص ثابت، فللمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية النافعة، والأفضل أن يختار من جوامع الدعاء الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:
- الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وهو من أجمع الأدعية:
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]. . 
- دعاء نبوي جامع لخيري الدنيا والآخرة:
 “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، (صحيح مسلم، حديث رقم 2720). . 
- دعاء أن يكون القرآن ربيع القلب:
 “اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”، (مسند أحمد، حديث رقم 3712، وصححه الألباني). . 
- دعاء القنوت لما فيه من شمول وثناء:
 “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”، (سنن الترمذي، حديث رقم 464، حديث حسن). . 
نماذج من الأدعية الشائعة عند ختم القرآن
هذه مجموعة من الصيغ التي يتداولها الناس ويجتهدون في الدعاء بها عند ختم القرآن الكريم، وهي أدعية طيبة في معانيها العامة، ويمكن الاستئناس بها.
- اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ، فَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُحْمَدَ، وَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُعْبَدَ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا عَبِيدُكَ، بَنُو عَبِيدِكَ، بَنُو إِمَائِكَ، نَوَاصِينَا بِيَدِكَ، مَاضٍ فِينَا حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِينَا قَضَاؤُكَ، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجِلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا وَغُمُومِنَا.
- اللَّهُمَّ ذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَعَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا، وَارْزُقْنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنَّا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُحِلُّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَيَعْمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُكَ وَخَاصَّتُكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي من الأدعية العامة والاجتهادات الحسنة، ولم تثبت كدعاء محدد لختم القرآن بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها.
مواضع وأوقات دعاء ختم القرآن
اختلف أهل العلم في تحديد الوقت الأنسب لدعاء ختم القرآن، ويمكن تلخيص آرائهم في قولين رئيسيين:
- خارج الصلاة: وهو أن يدعو المسلم بعد أن يفرغ من قراءة سورة الناس مباشرةً، سواء كان يقرأ من المصحف أو عن ظهر قلب، وهذا هو فعل أنس بن مالك رضي الله عنه.
- داخل الصلاة: ذهب بعض العلماء، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إلى استحباب أن يكون الدعاء في الصلاة (مثل صلاة التراويح أو قيام الليل)، ويكون ذلك بعد الفراغ من قراءة آخر سورة من القرآن في الركعة الأخيرة قبل الركوع، أو بعد الرفع من الركوع.
والأمر في ذلك واسع، فكلا الموضعين خير، ويمكن للمسلم أن يدعو في الصلاة أو خارجها حسبما يتيسر له.
أهمية القرآن الكريم في حياة المسلم
يحتل القرآن الكريم مكانة عظيمة في حياة كل مسلم، فهو ليس مجرد كتاب يُتلى، بل هو منهج حياة ودستور شامل، وتتجلى أهميته في النقاط التالية:
- مصدر الهداية والتشريع: القرآن هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، ينظم علاقة العبد بربه وعلاقته بالناس والمجتمع، قال تعالى:
 “إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا” [الإسراء: 9]. . 
- شفاء ورحمة: تلاوة القرآن وتدبره شفاء لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات، وطمأنينة للقلوب، وسكينة للنفوس، قال تعالى:
 “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82]. . 
- رفعة في الدرجات: كلما ازداد المسلم تعلقًا بالقرآن تلاوةً وفهمًا وعملًا، ارتفعت مكانته في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ”، (صحيح مسلم، حديث رقم 817). . 
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الإسراء، الآية 9.
- سورة الإسراء، الآية 82.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 817، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 464، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مصنف ابن أبي شيبة وسنن الدارمي (بخصوص أثر أنس بن مالك).
أسئلة شائعة (FAQs)
- س1: هل يوجد دعاء ثابت عن النبي لختم القرآن؟
- لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء معين مخصص لختم القرآن، والأدعية المنتشرة في بعض المصاحف هي من اجتهادات العلماء وليست من السنة.
- س2: ما هو حكم الدعاء بعد ختم القرآن؟
- الدعاء بعد ختم القرآن مستحب، وهو من فعل بعض الصحابة كأنس بن مالك رضي الله عنه، فالدعاء بعد إتمام عمل صالح من أرجى أوقات الإجابة.
- س3: ما هو أفضل دعاء يمكن أن أدعو به عند الختم؟
- أفضل الدعاء هو ما كان جامعًا لخيري الدنيا والآخرة، مثل الأدعية المأخوذة من القرآن والسنة الصحيحة، كدعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، ودعاء “اللهم أصلح لي ديني…”، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يحتاجه من أمور دينه ودنياه.
- س4: هل الأفضل الدعاء عند الختم داخل الصلاة أم خارجها؟
- كلا الأمرين جائز ومستحب، فيمكن الدعاء بعد الفراغ من القراءة مباشرة خارج الصلاة، كما يمكن الدعاء في صلاة الوتر أو قيام الليل بعد إتمام الختمة وقبل الركوع، الأمر فيه سعة.
 
		
