يُعَدُّ طلب السِّتر من الله -سبحانه وتعالى- من أعظم الأدعية التي تُظهر افتقار العبد لخالقه، وإقراره بضعفه وحاجته لعون الله وحفظه في كل شؤون حياته، والستر نعمة جليلة، بها تَحسُن حياة الإنسان وتستقيم أموره، وقد ورد في السنة النبوية ما يؤكد على عِظَم هذه الصفة الإلهية، فالله -عز وجل- هو “السِّتِّير” الذي يحب الستر ويأمر به.

وقد أرشدنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى أدعية جامعة لطلب الستر من الله، وهي خير ما يدعو به المسلم، لأنها تجمع بين جوامع الكلم وكمال المعنى وبركة الاتباع.

دعاء الستر الصحيح من السنة النبوية

إن أفضل ما يدعو به المسلم لطلب الستر هو الدعاء المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذي كان يواظب عليه في صباحه ومسائه، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح:

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”.

المصدر: سنن أبي داود وسنن ابن ماجه، وهو حديث صحيح.

هذا الدعاء النبوي الشريف هو الأصل في هذا الباب، وهو دعاء شامل يجمع بين طلب السلامة في الدين والدنيا، وطلب الستر من كل ما يسوء الإنسان، والأمن من كل ما يخيفه.

صيغة “اللهم استرنا فوق الأرض”: حكمها وتوضيحها

تنتشر بين الناس صيغة دعاء مشهورة وهي: “اللَّهُمُّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ، وَتَحْتَ الْأَرْضِ، وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ”، وفيما يلي توضيح لهذه الصيغة وحكم الدعاء بها.

أمثلة على الصيغ الشائعة

• اللَّهُمُّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ، وَتَحْتَ الْأَرْضِ، وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ.
• اللهم استرنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا عين ترانا ولا يد تصل إلينا.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.

الحكم الشرعي للدعاء بالصيغ الشائعة

أوضح أهل العلم أن الدعاء بصيغة “اللهم استرنا فوق الأرض…” جائز من حيث المعنى، فمعانيه صحيحة ولا تتعارض مع أصول الشريعة، حيث يطلب الداعي من الله الستر في حياته (فوق الأرض)، وفي قبره بعد مماته (تحت الأرض)، وفي يوم القيامة عند الحساب (يوم العرض).

ومع ذلك، فإن الأفضل والأكمل للمسلم هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل دعاء “اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي…”، لأنه يجمع بين صحة السند، وكمال المعنى، وبركة الاتباع للنبي الكريم.

فالله تعالى يقول في كتابه الكريم:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]

وهذا يدل على أن باب الدعاء واسع، ولكن اتباعه للسنة هو سبيل الكمال.

تفسير معاني دعاء الستر

لفهم أعمق لقيمة هذا الدعاء، سواء بصيغته النبوية الصحيحة أو بمعانيه العامة، يمكننا تفصيل مقاصده:

• “اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي”: العورات هنا تشمل كل ما يسوء الإنسان انكشافه، سواء كانت عيوبًا جسدية، أو أفعالًا سيئة، أو أسرارًا خاصة، فهو طلب من الله أن يحفظ عليه خصوصياته ويستر زلاته عن أعين الناس.
• “وَآمِنْ رَوْعَاتِي”: الروعات هي كل ما يُخيف الإنسان ويُفزعه، فالدعاء هنا هو طلب للأمن والطمأنينة من كل المخاوف، سواء كانت في الدنيا أو في أهوال يوم القيامة.
• “فَوْقَ الْأَرْضِ”: طلب للستر في الحياة الدنيا، فيشمل ستر العيوب عن الناس، والستر من المصائب والفتن، والتوفيق في الرزق والعمل، وحفظ السمعة والمكانة بين الخلق.
• “وَتَحْتَ الْأَرْضِ”: دعاء بالستر بعد الموت، ويشمل حسن الخاتمة، والنجاة من فتنة القبر وعذابه، وأن يكون القبر روضة من رياض الجنة.
• “وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ”: هو طلب الستر الأعظم يوم القيامة، حيث يقف العباد للحساب، والمقصود به أن يستر الله عبده فلا يفضحه بذنوبه أمام الخلائق، وأن يتجاوز عن سيئاته، ويُثَقِّل موازينه، ويدخله الجنة برحمته.

فضل الستر وأهميته في الإسلام

حث الإسلام على قيمة الستر، سواء بستر الإنسان لنفسه أو ستره لإخوانه المسلمين، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

“إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ”

المصدر: سنن أبي داود والنسائي، وهو حديث صحيح.

كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر:

“وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ”

المصدر: صحيح مسلم.

وهذا يؤكد أن جزاء ستر عيوب الناس هو أن يستر الله العبد في الدنيا والآخرة، وهو فضل عظيم يدفع المسلم ليكون حريصًا على هذه القيمة النبيلة.

أدعية إضافية في طلب الستر والعافية

إلى جانب الدعاء النبوي المذكور، هناك أدعية أخرى من القرآن والسنة تحمل معاني الستر والعافية، ومنها:

• دعاء نبي الله موسى عليه السلام:
  

  “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” [القصص: 24]

  وهو دعاء جامع يظهر فيه العبد فقره وحاجته لكل خير من الله، والستر من أعظم هذا الخير.

• دعاء الكرب:
  

  “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”

  هذا الدعاء الذي دعا به نبي الله يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، من أسباب تفريج الكروب وستر الهموم.

• سيد الاستغفار: وهو من أعظم الأدعية التي يطلب بها العبد المغفرة والستر من آثار الذنوب.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو دعاء الستر الصحيح من السنة؟

الدعاء الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي…”.

هل يجوز الدعاء بـ “اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض”؟

نعم، يجوز الدعاء به لأن معناه صحيح ولا يخالف الشريعة، لكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالصيغة النبوية الواردة في السنة الصحيحة، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة.

ما هو الوقت الأفضل لقول دعاء الستر؟

الدعاء النبوي “اللهم استر عوراتي” يُستحب قوله ضمن أذكار الصباح والمساء، كما يمكن للمسلم أن يدعو به وبغيره من أدعية الستر في أي وقت، خاصة في أوقات إجابة الدعاء كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وفي السجود.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر