دعاء الهم والحزن والضيق والتعب والغم مستجاب

يمر الإنسان في حياته بلحظات من الابتلاء والامتحان، يشعر فيها بالضيق والهم، وقد يظن أن هذا من غضب الله، ولكن الابتلاء سُنّة إلهية لاختبار الصبر واليقين، وهو لا يقتصر على أهل المعاصي، بل هو للمؤمنين رفعة في الدرجات وتكفير للسيئات، قال تعالى في كتابه الكريم:

“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 155]

وفي هذه الأوقات، يظل الدعاء هو الملاذ الآمن والصلة المباشرة بالله تعالى، نلجأ إليه بقلوب منكسرة، طالبين منه العون والفرج وتيسير الأمور.

أدعية صحيحة من السنة النبوية لتفريج الهم والكرب

إن خير ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والأثر العظيم، إليك مجموعة من الأدعية الصحيحة الثابتة التي تُقال عند الهم والحزن:

  • دعاء إزالة الهم والحزن: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من قول هذا الدعاء:

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.”

    المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6369،
    الشرح: استعاذة جامعة من كل ما يُثقل النفس ويعطل الإنسان، من الهموم النفسية (الهم والحزن)، والضعف الجسدي (العجز والكسل)، والعلل الأخلاقية (البخل والجبن)، والمشكلات المادية والاجتماعية (ثقل الدين وقهر الرجال).

  • دعاء الكرب العظيم: روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال:

    “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.”

    إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا”.المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199)،
    الشرح: إقرار كامل بالعبودية لله، وتسليم مطلق لقضائه، ثم توسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى أن يجعل القرآن الكريم سببًا لانشراح الصدر وزوال الهم.

  • دعاء قضاء الدين والغنى من الفقر: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه:

    “اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.”

    المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2713.

  • دعاء طلب رحمة الله: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: “ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:

    “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.”

    المصدر: حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (661).

  • دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت:

    “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]

    فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”.المصدر: سنن الترمذي، وصححه الألباني.

أدعية مأثورة لتفريج الهم والكرب مكتوبة بخط واضح

صيغ وأدعية عامة شائعة لتفريج الهم

يتداول الناس العديد من صيغ الدعاء التي لم ترد بنصها المحدد في السنة النبوية، ولكن معانيها صحيحة ولا تتعارض مع العقيدة الإسلامية، يجوز الدعاء بها وبغيرها ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل والأكثر بركة.

تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، والدعاء بألفاظ عامة بمعانٍ صحيحة جائز، لكن لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيص فضل معين لها لم يرد به دليل.

أمثلة على الأدعية العامة

  • اللهم يا واسع الكرم والمغفرة، ويا من بيده كل شيء، اغفر لي ذنوبي، وارحمني برحمتك الواسعة التي تغنيني عن رحمة من سواك، اللهم أبدل حزني وهمي فرحًا وسرورًا.
  • يا رب اجعل أيامي ميسرة، وطرق حياتي خالية من الصعوبات، واملأ قلبي بالسكينة، وأبعد عني شر المقادير، وارزقني كل خير وصلاح.
  • اللهم يا لطيف يا رؤوف، أسألك وأتوسل إليك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترفع عني هذا الهم وتفرج كربي، وتُبدل حزني طمأنينة.
  • اللهم اجعل من كل ضيقٍ فرجًا، ومن كل همٍ مخرجًا، ودبر لي أموري كلها بما ترضاه، وامنحنا رحمة من لدنك تهدئ قلوبنا وتفيض على أرواحنا بالأمان.
  • يا رب، أنت حسبي لكل من ظلمني، ولكل من تمنى زوال نعمتي، ولكل من حسدني أو أراد لي سوءًا، فإني يا إلهي متوكل عليك، وأنت رب العرش العظيم، فاكفني بما شئت وكيف شئت.

الدور المحوري للدعاء في التخفيف من الهم والحزن

للدعاء دور رئيسي وأهمية استثنائية في حياة المسلم، فهو العبادة التي تقوي الصلة بين العبد وربه، وتُشعر المؤمن بقرب الله منه ومعيته له، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:

“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة: 186]

من فوائد الدعاء في حياة المؤمن:

  • صلة مباشرة بالخالق: الدعاء هو مناجاة لله تعالى دون وسيط، يبث فيه العبد شكواه وحاجته، ويجد فيه الطمأنينة والسكينة.
  • عبادة عظيمة الأجر: الدعاء في حد ذاته عبادة يُثاب عليها المسلم، سواء تحققت الإجابة في الدنيا أم ادُخرت له في الآخرة.
  • دفع البلاء ورفعه: يُعد الدعاء من أقوى الأسباب في دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله، وتغيير الأقدار بإذن الله.
  • تحقيق السكينة النفسية: عندما يفوض المؤمن أمره إلى الله ويدعوه بيقين، يمتلئ قلبه بالرضا والسكينة، ويخف عنه وطأة الهم والحزن.

أهمية الدعاء في الإسلام ودوره في تفريج الهم والحزن

أسباب قد تحول دون استجابة الدعاء

وعد الله تعالى بإجابة الدعاء، ولكن قد توجد موانع تحول دون ذلك، من الحكمة أن يراجع المسلم نفسه ويتجنبها، من هذه الأسباب:

  • أكل الحرام: من أعظم موانع إجابة الدعاء أن يكون مطعم الإنسان ومشربه وملبسه من حرام.
  • الاستعجال وترك الدعاء: أن يستعجل العبد الإجابة ويقول: “دعوت فلم يُستجب لي”، فيترك الدعاء، وهو ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
  • الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: لا يستجيب الله دعاءً فيه معصية أو اعتداء على حقوق الآخرين.
  • الغفلة وعدم حضور القلب: أن يدعو الإنسان بلسانه وقلبه غافل لاهٍ، فالله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل.
  • حكمة الله في التأخير أو المنع: قد يؤخر الله الإجابة أو يصرف عن الداعي من السوء مثلها، أو يدخرها له في الآخرة، وكل ذلك لحكمة يعلمها سبحانه وهي خير للعبد.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أفضل وقت للدعاء لتفريج الهم؟

الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي غير الأدعية المأثورة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وبأي صيغة كانت، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة أفضل وأكمل.

دعوت كثيرًا ولم أجد استجابة، ماذا أفعل؟

يجب على المسلم ألا ييأس من رحمة الله وأن يستمر في الدعاء بيقين وحسن ظن بالله، قد تكون الإجابة تأخرت لحكمة، أو أن الله يصرف عنك من البلاء بقدر دعائك، أو يدخر لك الأجر في الآخرة، راجع نفسك في موانع إجابة الدعاء، وألحّ على الله، فإنه سبحانه يحب الملحّين في الدعاء.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات