الحياة دار ابتلاء وتقلب، يمر فيها الإنسان بأحوال مختلفة من صحة ومرض، وغنى وفقر، ويُعد المرض من الابتلاءات التي تُمتحن بها عزيمة المؤمن وصبره، وهو في حقيقته منحة ربانية تحمل في طياتها حِكَماً عظيمة؛ فهو سبب لتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وتذكير العبد بضعفه وحاجته لخالقه، والصبر على هذا البلاء مع احتساب الأجر هو سبيل لنيل منزلة رفيعة عند الله تعالى.
وقد يكون المرض ابتلاءً لهدف معين، كعقوبة معجّلة في الدنيا على ذنب اقترفه العبد، وهذا من رحمة الله به لتطهيره وتخفيف حسابه في الآخرة، وفي أحيانٍ أخرى، يكون المرض علامة على محبة الله لعبده، كما ورد في الحديث الصحيح: “إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ”، وقد واجه الأنبياء والرسل، وهم صفوة الخلق، أشد أنواع الابتلاءات، فسيدنا أيوب عليه السلام ابتُلي بالمرض الشديد فصبر واحتسب، فكان له من الله أعظم الجزاء.
أدعية الشفاء الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تحمل أكمل المعاني وأصح المباني، ومن هذه الأدعية:
1، أدعية من القرآن الكريم
- دعاء نبي الله أيوب عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية التي يلجأ بها العبد إلى ربه كاشفاً ضره، متوسلاً برحمته.
“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83].
.
 - دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام: وفيه إقرار بأن الشفاء بيد الله وحده سبحانه وتعالى.
“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80].
.
 
2، أدعية من السنة النبوية المطهرة
- الدعاء النبوي العام للشفاء: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً أو أُتي به إليه، يدعو له بهذا الدعاء.
“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا” (حديث صحيح، متفق عليه).
.
 - الرقية بوضع اليد على مكان الألم: يُسن للمريض أن يضع يده على الموضع الذي يؤلمه من جسده ويقول:
“بِاسْمِ اللهِ (ثلاث مرات)، ثم يقول سبع مرات: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ” (حديث صحيح، رواه مسلم).
.
 - دعاء زيارة المريض: من الأدعية العظيمة التي يُدعى بها للمريض عند زيارته، ويُرجى بها الشفاء.
“أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ” (يُقال سبع مرات)، (حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).
.
 
صيغ وأدعية عامة للشفاء
بالإضافة إلى الأدعية الثابتة، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ لا تخالف الشرع، يسأل فيها ربه الشفاء لوالديه أو لنفسه أو لمن يحب، ومن أمثلة ذلك:
- دعاء لشفاء الأب: “اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَصِفَاتِكَ العُلَا أَنْ تَشْفِيَ أَبِي وَتُعَافِيَهُ، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ البَأْسَ، وَاجْعَلْ العَافِيَةَ تَسْرِي فِي جَسَدِهِ، وَارْزُقْهُ شِفَاءً تَامًّا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.”.
 - دعاء لشفاء الأم: “اللَّهُمَّ اشْفِ أُمِّي وَخَفِّفْ عَنْهَا كُلَّ أَلَمٍ تَشْعُرُ بِهِ، اللَّهُمَّ أَلْبِسْهَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، وَاحْفَظْهَا بِحِفْظِكَ، وَارْزُقْهَا عُمُرًا مَدِيدًا فِي طَاعَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
 - دعاء عام للمريض: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِرَحْمَتِكَ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَكَ، أَنْ تَمُنَّ عَلَى كُلِّ مَرِيضٍ بِالشِّفَاءِ، وَأَنْ تُفَرِّجَ كَرْبَ كُلِّ مَكْرُوبٍ، إِنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ.”.
 
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت بنصها المحدد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأفضل والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، مع جواز الدعاء بصيغ أخرى طيبة المعنى لا تتعارض مع أصول الشريعة.
كيف يتعامل المسلم مع ابتلاء المرض بالصبر
يجب على المسلم عند إصابته بمرض أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يتحلى بالصبر والاحتساب، مبتعدًا عن الجزع والتسخط، عليه أن يتذكر الوعد العظيم الذي أعده الله للصابرين بأجر بغير حساب، وفي الوقت نفسه، عليه الأخذ بالأسباب المشروعة للعلاج، كالرقية الشرعية، ومراجعة الأطباء، وتناول الدواء المناسب، مع تعزيز صلته بالله عبر الدعاء والعبادة، فالله وحده هو الشافي.
وعلى المسلم أن يتذكر أن هناك من يعاني ابتلاءات أشد، فيحمد الله على حاله، وينبغي أن يتأمل في حكمة الله البالغة التي قد تخفى على العقول، فالله سبحانه هو المالك الحكيم الذي يفعل بعباده ما يشاء وفق علمه ورحمته، ويختار لهم ما هو خير لهم وإن بدا ظاهره مؤلماً.
عوامل تعين على الصبر في مواجهة المرض
الصبر على المرض من أعظم العبادات القلبية، وهناك عدة عوامل تساعد المسلم على التحلي به:
- اليقين التام بأن المرض وقع بقضاء الله وقدره، وأنه مكتوب في اللوح المحفوظ.
 - استحضار أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه ومن والديه، وأنه لا يختار له إلا ما فيه الخير.
 - تذكر أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن الآخرة هي دار القرار والجزاء.
 - التأمل في حكمة الله من المرض، وأنه قد يكون سبباً لتكفير السيئات أو رفع الدرجات.
 - تذكر أن ابتلاء المؤمن دليل على محبة الله له، ورغبته في تطهيره وتقريبه.
 - النظر إلى أحوال من هم أشد منه بلاءً، ليشعر بنعمة الله عليه ويشكره على ما هو فيه.
 
الدعاء لشفاء الوالدين
دعاء الأبناء لوالديهم من أرجى الأدعية قبولاً، وهو من أعظم صور البر، ويمكن الدعاء لهم بالأدعية الثابتة المذكورة سابقاً، أو بأدعية عامة تحمل معاني الخير والرحمة، ومنها:
- اللَّهُمَّ اشْفِ وَالِدَيَّ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، وَأَلْبِسْهُمَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، وَاحْفَظْهُمَا بِحِفْظِكَ وَارْعَهُمَا بِرِعَايَتِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
 - يَا رَبِّ، يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَمُفَرِّجَ الكُرُوبِ، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَى وَالِدَيْنَا بِالشِّفَاءِ العَاجِلِ، وَأَنْ تَرُدَّ إِلَيْهِمَا صِحَّتَهُمَا وَعَافِيَتَهُمَا.
 - اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الشَّافِي أَنْ تَشْفِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَأَنْ تَجْعَلَ مَا أَصَابَهُمْ طَهُورًا وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا بِرَّهُمْ وَرِضَاهُمْ.
 - بِسْمِ اللهِ أَرْقِي وَالِدَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيهِمَا، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيهِمَا، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيهِمَا.
 - اللَّهُمَّ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ، خُذْ بِأَيْدِي وَالِدَيْنَا، وَاحْرُسْهُمَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاكْفِهِمَا بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَارْحَمْهُمَا بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِمَا يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ.
 
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 83.
 - سورة الشعراء، الآية 80.
 - حديث “اللهم رب الناس…”، متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “بسم الله، أعوذ بالله وقدرته…”، صحيح مسلم، حديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “أسأل الله العظيم…”، سنن أبي داود وسنن الترمذي، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء للشفاء من المرض؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا”، ودعاء نبي الله أيوب عليه السلام.
هل يجوز أن أدعو بالشفاء بصيغة من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام طيب وبأي لغة، ما دامت الصيغة لا تحتوي على مخالفة شرعية أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.
ما هي أوقات استجابة الدعاء للمريض؟
يُستحب تحري أوقات وأحوال إجابة الدعاء، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، كما أن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب، ودعاء الوالدين لأبنائهم، ودعاء الأبناء لوالديهم.
		

