صلاة قيام الليل من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهي دأب الصالحين، وشرف المؤمن، وتجارة المتقين، إنها لحظات مباركة للخلوة مع الله عز وجل، ومناجاته بالدعاء والاستغفار، حيث تهدأ النفوس وتطمئن القلوب، وتُسكب العبرات طلباً للرحمة والمغفرة، وقد أثنى الله تعالى على أهل قيام الليل في كتابه الكريم، ووعدهم بالأجر العظيم.
وتزداد أهمية هذه العبادة في أوقات فاضلة كشهر رمضان المبارك، حيث تُفتح أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران، وتُهيأ النفوس للخشوع والتدبر، والحرص على قيام الليل، سواء في رمضان أو غيره، هو اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسبيل لنيل الدرجات العلى في الدنيا والآخرة.
دعاء قيام الليل الثابت عن النبي ﷺ
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، يفتتح صلاته بدعاء عظيم جامع، وهو من أصح الأدعية الواردة في هذا الباب، يُستحب للمسلم أن يحفظه ويدعو به تأسياً بالنبي الكريم.
«اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
المصدر: رواه البخاري (1120) ومسلم (769) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقت صلاة قيام الليل وأفضله
يبدأ وقت صلاة قيام الليل بعد أداء صلاة العشاء ويمتد حتى طلوع الفجر الصادق، ويُعتبر كل هذا الوقت محلاً لأداء الصلاة، ولكن أفضل أوقاته هو الثلث الأخير من الليل، فهو وقت التنزل الإلهي، حيث يُرجى فيه إجابة الدعاء وقبول العبادة.
- ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:
 «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». (رواه البخاري 1145، ومسلم 758). 
- وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، يُسلّم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين.
ويجوز للمسلم أن يصلي ما شاء من الركعات، وأن يوزع صلاته على مدار الليل، فيصلي جزءاً في أوله ثم يستريح أو يقضي حوائجه، ثم يكمل صلاته في آخره، ففي الأمر سعة وتيسير.
أدعية نبوية صحيحة في صلاة قيام الليل
إلى جانب دعاء الاستفتاح، وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى في مواضع مختلفة من صلاة الليل، وهي كنز عظيم للمصلي:
- دعاء طلب النور: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته أو عند خروجه إليها:
 «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا». (رواه البخاري 6316، ومسلم 763). 
- عند الرفع من الركوع:
 «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». (رواه مسلم 476). 
- في السجود: وهو من أرجى مواطن الدعاء، لقوله ﷺ: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”.
 «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ». (رواه مسلم 483). 
- بين السجدتين:
 «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي، وَارْزُقْنِي، وَاهْدِنِي». (رواه الترمذي 284، وصححه الألباني). 
- بعد التشهد الأخير وقبل السلام:
 «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». (رواه البخاري 834، ومسلم 2705). 
صيغ وأدعية عامة شائعة لقيام الليل
يتداول الناس بعض الصيغ الجامعة للدعاء في قيام الليل لقضاء الحاجات المختلفة كالرزق والشفاء والزواج والنجاح، وهذه الأدعية، وإن لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يجوز الدعاء بها وبما يفتح الله به على عبده، ما دام معناها صحيحاً ولا تخالف الشرع.
- لطلب النجاح في الدراسة: “اللَّهُمَّ يا مُعَلِّمَ إبراهيمَ عَلِّمْنِي، ويا مُفَهِّمَ سُليمانَ فَهِّمْنِي، اللَّهُمَّ أَخْرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الْوَهْمِ، وَأَكْرِمْنَا بِنُورِ الْفَهْمِ، وَافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ الْعِلْمِ، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا بِالْحِلْمِ، وَسَهِّلْ لَنَا أَبْوَابَ فَضْلِكَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
- لصلاح الأولاد: “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَرِّهْ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْهُمْ مِنَ الرَّاشِدِينَ”.
- لطلب الشفاء من المرض: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَنِي وَيَشْفِيَ مَرْضَى المُسْلِمِينَ”.
- لطلب الرزق: “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا”.
- لطلب الحمل والذرية الصالحة:
 “رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ” [الأنبياء: 89]، ويمكن الدعاء: “اللَّهُمَّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”. 
- لطلب الزواج: “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجًا صَالِحًا (أو زَوْجَةً صَالِحَةً) تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي وَتَقَرُّ بِي عَيْنُهُ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ”.
تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس ويجوز الدعاء بها لمعناها الحسن، ولكنها لم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، والأفضل للمسلم أن يجمع بين الأدعية المأثورة الصحيحة والدعاء بحاجاته الخاصة بأسلوبه ولهجته، فالله تعالى يسمع دعاء عبده كيفما كان.
فضل قيام الليل وأثره
لصلاة قيام الليل فضائل عظيمة وآثار مباركة على حياة المسلم في الدنيا والآخرة، منها:
- سبب لدخول الجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ” (رواه الترمذي 2485، وصححه). 
- مكفرة للسيئات: وهي من أسباب مغفرة الذنوب ورفعة الدرجات.
- شرف المؤمن: فقيام الليل يورث القلب خشية لله ومحبة له، مما يدفعه للطاعات ويبعده عن المعاصي.
- أقرب للاستجابة: الدعاء في جوف الليل، وخاصة في الثلث الأخير، أرجى للقبول والإجابة.
- قوة للبدن ونور في الوجه: المداومة على قيام الليل تمنح البدن نشاطاً، وتُكسب الوجه نوراً وبهاءً، وتملأ القلب سكينة وطمأنينة.
أدعية العشر الأواخر وليلة القدر
تتأكد العناية بقيام الليل والدعاء فيه في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ومن أفضل الأدعية في هذه الليالي المباركة:
- دعاء ليلة القدر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال:
 «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». (رواه الترمذي 3513، وصححه). 
- دعاء تفريج الكروب: وهو دعاء عظيم يُرجى به ذهاب الهم والغم.
 «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي». (رواه أحمد 3712، وصححه الألباني). 
- دعاء القنوت في الوتر:
 «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ». (رواه أبو داود 1425، والترمذي 464، وصححه الألباني). 
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 89.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم: 834, 1120, 1145, 6316، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم: 476, 483, 758, 763, 769, 2705، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، أحاديث رقم: 284, 464, 2485, 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم: 1425، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQ)
- ما هو أفضل وقت لقيام الليل؟
 أفضل وقت هو الثلث الأخير من الليل، لأنه وقت التنزل الإلهي، حيث يُرجى فيه إجابة الدعاء.
- هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي غير واردة في السنة؟
 نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بحاجاته وبما يفتح الله عليه من الدعاء، بشرط أن يكون معنى الدعاء صحيحاً ولا يحتوي على اعتداء أو مخالفة شرعية، والأكمل هو الجمع بين الأدعية المأثورة الصحيحة والدعاء بالحاجات الخاصة.
- ما هو الدعاء الصحيح لليلة القدر؟
 أصح ما ورد هو دعاء: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، كما علم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها.
- كم عدد ركعات صلاة قيام الليل؟
 ليس لها عدد محدد، فيصلي المسلم ما شاء، ولكن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب كان إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة.
 
		
