تُمثّل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ذروة العبادة والتقرب إلى الله تعالى، حيث يتنافس المؤمنون في الطاعات، ويجتهدون في تحصيل الأجر والثواب، لهذه الليالي مكانة خاصة، ففيها ليلة القدر التي وصفها الله عز وجل بأنها خير من ألف شهر، إنها فرصة عظيمة للتوبة النصوح، والدعاء الخالص، وطلب خيري الدنيا والآخرة، ولأن الدعاء هو مخ العبادة، نقدّم هنا دليلاً شاملاً لأهم الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يُستحب الإكثار منها في هذه الأيام المباركة، مع التركيز على الموثوقية والدليل الشرعي.
الدعاء المأثور لليلة القدر (الأهم والأصح)
أعظم ما يُدعى به في هذه الليالي المباركة، تحريًا لليلة القدر، هو الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وقال عنه: “حديث حسن صحيح”.
وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأكثرها بركة، حيث يطلب فيه العبد من ربه العفو، وهو أعلى مراتب المغفرة، فإذا عفا الله عن العبد، غفر له ذنوبه ووقاه عذاب الدنيا والآخرة.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية
يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة للخير وبعيدة عن الخطأ، ومن أمثلتها:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة:
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” المصدر: [سورة البقرة: 201]. 
- دعاء الثبات على الحق:
 “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” المصدر: [سورة آل عمران: 8]. 
- دعاء المغفرة الشامل:
 “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ” المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 483. 
- دعاء الاستعاذة من فتن الدنيا والآخرة:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ” المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1377. 
أمثلة على أدعية عامة للوالدين والأحبة
يمكن للمسلم أن يدعو لوالديه وأهله وأحبته بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة، ومن الأمثلة على ذلك:
- للوالدين: “رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24]، “اللَّهُمَّ اغفر لوالديَّ، وبارك لهما في عمرهما وصحتهما، وارزقهما الفردوس الأعلى من الجنة”.
- للميت: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ”، (مأخوذ من دعاء النبي ﷺ في صلاة الجنازة، صحيح مسلم).
- لصلاح الأهل والذرية: “رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” [الفرقان: 74].
صيغ شائعة تُنسب لكل ليلة من العشر الأواخر
ينتشر بين الناس تخصيص دعاء معين لكل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وهذه بعض الأمثلة المتداولة:
- دعاء ليلة 21 رمضان (كما يُتداول): اللهم اجعل لي في هذا اليوم طريقًا يؤدي إلى رضاك ولا تجعل للشيطان سبيلاً أو سلطانًا علي واجعل الجنة لي دارًا ومستقرًا يا من لا يرد سائلًا ولا يخيّب راجيًا.
- دعاء ليلة 23 رمضان (كما يُتداول): يا رب طهرني في هذا اليوم من ذنوبي كلها ونقّ قلبي من الأخطاء والآثام واغمرني بتقوى القلوب وصفاء النفوس يا من يغفر عثرات عباده المذنبين ويقبل التائبين.
- دعاء ليلة 25 رمضان (كما يُتداول): يا رب اجعلني من الذين يحبونك ويتبعون نهج نبيك الكريم ويسيرون على خطى رسلك يا من تثبّت قلوب المخلصين والمؤمنين على الحق.
- دعاء ليلة 27 رمضان (كما يُتداول): اللهم ارزقني فضل ليلة القدر واجعلها ليلة تغيير أحوالي إلى ما فيه الخير واليسر وتقبل اعتذاراتي واغفر ذنوبي يا من تعبده القلوب الخاشعة وتعرف عظمتك.
- دعاء ليلة 29 رمضان (كما يُتداول): يا رب في هذه الليلة المباركة شملنا برحمتك وعفوك أنت خالقنا ورازقنا ولا نرجو مغفرة ورحمة إلا منك يا من وسعت رحمته كل شيء ارزقنا الخير واشف مرضانا واحمنا من الشرور.
تنبيه هام وحكم تخصيص دعاء لكل ليلة
تنبيه هام: هذه الصيغ المخصصة لكل يوم هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه. الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
وقد أشار أهل العلم إلى أن تخصيص عبادة معينة (مثل دعاء معين) في زمن معين (مثل ليلة محددة) بلا دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة (البدع)، والأولى بالمسلم أن يجتهد في الدعاء بالأدعية المأثورة والجامعة في كل الليالي دون تخصيص.
أفضل مواضع الدعاء في صلاة القيام والتهجد
تعتبر صلاة الليل في العشر الأواخر فرصة عظيمة للدعاء، وهناك مواضع تكون فيها الإجابة أرجى:
- أثناء السجود: وهو أقرب ما يكون العبد من ربه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” (صحيح مسلم، 482). 
- قبل التسليم من الصلاة: بعد التشهد الأخير وقبل السلام، فهذا موضع ثبت الدعاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- في الثلث الأخير من الليل: وهو وقت النزول الإلهي، حيث ينادي الرب عباده، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” (صحيح البخاري، 1145). 
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 483، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1377، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 482، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1145، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء في العشر الأواخر من رمضان؟
أفضل دعاء هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، لأنه دعاء خاص بليلة القدر التي تُرجى في هذه الليالي، وهو دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة.
هل يجوز تخصيص دعاء معين لكل ليلة من العشر الأواخر؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية تخصيص دعاء معين لكل ليلة، والأصل هو الاجتهاد في الدعاء بما هو مأثور من القرآن والسنة، أو بما يفتح الله به على عبده من الدعوات الطيبة في كل الليالي دون تخصيص.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة والمخصصة لكل ليلة؟
البديل الصحيح هو الإكثار من دعاء “اللهم إنك عفو…”، مع الأدعية الجامعة من القرآن والسنة المذكورة في هذا المقال، والدعاء بما يحتاجه المسلم لنفسه وأهله والمسلمين، فالأمر في ذلك واسع، والعبرة بصدق التوجه إلى الله.
 
		
