كان النبي صلى الله عليه وسلم مُعلِّمًا ومُرشدًا لأمته في كافة شؤون حياتها، فلم يترك جانبًا من جوانب السلوك اليومي إلا وبيّن فيه الهدي الأمثل، ومن ذلك، آداب دخول الخلاء والخروج منه، وهي ليست مجرد سلوكيات، بل جزء من منهج إسلامي شامل يهدف إلى طهارة المسلم وحمايته، ويربط كل أفعاله بذكر الله تعالى وشكره.
إن هذه التوجيهات النبوية الدقيقة، حتى في أبسط تفاصيل الحياة، تُظهر شمولية الإسلام وعنايته بربط المؤمن بخالقه في كل أحواله، وغرس الشعور الدائم بالافتقار إليه وطلب العون منه.
دعاء دخول الخلاء: النص الصحيح وشرحه
يُسن للمسلم قبل دخول الخلاء أن يجمع بين التسمية والاستعاذة، وذلك ليحصّن نفسه من الشياطين ويحجب عورته عن أعين الجن.
- التسمية (قول: بسم الله): وهي ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم، والدليل على ذلك ما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“سَترُ ما بينَ أعينِ الجنِّ وعوراتِ بني آدمَ إذا دخلَ أحدُهمُ الخلاءَ أن يقولَ: بسمِ اللهِ”.
المصدر: صحيح الجامع للألباني، رقم الحديث: 3611، خلاصة الحكم: صحيح..
- الاستعاذة: وهي لجوء إلى الله وطلب الحماية من ذكران الشياطين وإناثهم، وقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
“أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا دخَل الخَلاءَ قال: اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الخُبُثِ والخَبائِثِ”.
المصدر: صحيح البخاري، رقم الحديث: 142، خلاصة الحكم: صحيح..
شرح الدعاء: (الخُبُثِ) بضم الخاء والباء، هم ذكور الشياطين، و(الخَبَائِثِ) هن إناث الشياطين، فالمسلم يستعيذ بالله من شرهم جميعًا في هذه الأماكن التي هي من مواطنهم.
دعاء الخروج من الخلاء: النص الصحيح وشرحه
بعد الخروج من الخلاء، يُسن للمسلم أن يشكر الله على نعمته ويطلب مغفرته، فيقول:
“غُفْرَانَكَ”.
والدليل على ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
“أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا خرَج مِن الغائطِ قال: غُفرانَك”.
المصدر: صحيح أبي داود، رقم الحديث: 30، خلاصة الحكم: صحيح.
شرح الدعاء: طلب المغفرة هنا له عدة معانٍ، منها: طلب العفو عن التقصير في شكر نعمة الله على إخراج هذا الأذى الذي لو بقي في الجسد لأهلكه، أو طلب العفو عن ترك ذكر الله خلال فترة قضاء الحاجة، وهو تذكير دائم للمسلم بعظيم فضل الله عليه في نعمة الصحة والعافية.
قواعد وآداب قضاء الحاجة في الإسلام
وضع الإسلام آدابًا راقية لقضاء الحاجة، تهدف إلى الحفاظ على طهارة المسلم وكرامته واحترام شعائر الدين، ومن أهم هذه الآداب:
- تقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج: تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يُستحب تقديم اليسرى لكل ما فيه أذى، واليمنى لكل ما هو طيِّب.
- تجنب استقبال القبلة أو استدبارها: تعظيمًا لشعائر الله، فلا يجوز استقبال القبلة أو استدبارها في الأماكن المفتوحة (الصحراء)، وقد قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إذا أتَيْتُمُ الغائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولا تَسْتَدْبِرُوها ببَوْلٍ ولا غائِطٍ، ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا”.
المصدر: صحيح البخاري، رقم الحديث: 394، خلاصة الحكم: صحيح..
- الامتناع عن الكلام والذكر: يُكره الحديث أو رد السلام أو ذكر الله باللسان داخل الخلاء، تعظيمًا لاسم الله، وقد مرَّ رجلٌ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يبولُ فسلَّم عليه، فلم يرُدَّ عليه، (صحيح مسلم، 370).
- اجتناب استخدام اليد اليمنى في الاستنجاء: تُخصَّص اليد اليمنى للأمور الطيبة كالأكل والشرب، بينما تُستخدم اليسرى لإزالة الأذى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إذا بالَ أحَدُكُمْ فلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بيَمِينِهِ، ولا يَسْتَنْجِي بيَمِينِهِ”.
المصدر: صحيح البخاري، رقم الحديث: 154، خلاصة الحكم: صحيح..
- الحرص على التنزه من البول: يجب على المسلم أن يحرص على تطهير نفسه تمامًا من البول، لأن عدم التنزه منه من أسباب عذاب القبر، وقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال:
“إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ…”.
المصدر: صحيح البخاري، رقم الحديث: 216، خلاصة الحكم: صحيح..
- تجنب قضاء الحاجة في موارد الناس: يُنهى عن قضاء الحاجة في طرق الناس، أو أماكن جلوسهم وظلهم، أو في موارد المياه، لما في ذلك من أذى لهم وتلويث للبيئة.
- عدم البول في الماء الراكد: لِما يسببه ذلك من إفساد للماء ونشر للأمراض، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ”.
المصدر: صحيح البخاري، رقم الحديث: 239، خلاصة الحكم: صحيح..
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما حكم قول دعاء دخول الخلاء داخل الحمام؟
السنة أن يُقال الدعاء قبل دخول الخلاء، لأن أماكن قضاء الحاجة لا تليق بذكر الله، إذا كان الشخص داخل بناء يحتوي على دورة مياه، فيقول الدعاء قبل أن يخطو برجله اليسرى إلى داخلها، أما إذا نسي، فلا يذكره بلسانه في الداخل، بل بقلبه فقط.
ما معنى “الخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ”؟
الخُبُث (بضم الخاء والباء) هم ذكور الشياطين، والخبائث هن إناث الشياطين، فالمسلم يستعيذ بالله من شرورهم جميعًا عند دخول هذه الأماكن.
لماذا نقول “غُفْرَانَكَ” عند الخروج من الخلاء؟
ذكر العلماء أن الحكمة من طلب المغفرة بعد الخروج هي شكر الله على نعمة تيسير خروج الأذى من البدن، والاعتراف بالتقصير في أداء هذا الشكر العظيم، كما قيل إنه طلب للمغفرة عن فترة الانقطاع عن ذكر الله أثناء قضاء الحاجة.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 142، 154، 216، 239، 394، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 370، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح أبي داود، حديث رقم 30، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 3611، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).

