إن الدعاء للوطن وأهله بالخير والصلاح والأمن من أعظم القربات، وهو دأب الأنبياء والصالحين الذين كانوا يدعون لأوطانهم بالبركة والاستقرار، وفي أوقات التحديات، يزداد اللجوء إلى الله تعالى أهمية، فهو سبحانه القادر على تبديل الحال إلى أحسنه، وهو القائل في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
وتخصيص مصر بالدعاء له أصل في مكانتها التاريخية والدينية، فهي أرض الكنانة التي ذكرها الله في كتابه، وجعلها مأوى للأنبياء وملجأً للمؤمنين.
آيات من القرآن الكريم ورد فيها ذكر مصر
كرّم الله سبحانه وتعالى مصر بذكرها في مواضع متعددة من القرآن الكريم، مما يدل على مكانتها الخاصة، ومن هذه الآيات:
- قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام:
“فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”
[يوسف: 99]، في هذه الآية بشارة بالأمن والأمان لمن دخل مصر بإذن الله.
- قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”
[يونس: 87]، وفيها دلالة على أنها كانت موطناً لإقامة شعائر الدين وعبادة الله.
- قوله تعالى حكايةً عن فرعون:
“وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”
[الزخرف: 51]، وهذه الآية، وإن كانت في سياق التفاخر المذموم، إلا أنها تصف نعمة الله على أرض مصر بخيراتها وأنهارها.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة لصلاح الأوطان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ويمكن الدعاء بها لمصر ولكل بلاد المسلمين:
1، من القرآن الكريم
دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام لمكة، وهو دعاء يصلح لكل بلد مسلم يسأل الله له الأمن والرزق:
“رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”
[البقرة: 126].
2، من السنة النبوية المطهرة
من الأدعية النبوية الجامعة التي تصلح للفرد والمجتمع، وتدعو بصلاح الدين والدنيا والآخرة، وهو ما تحتاجه كل أمة:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
(رواه مسلم، حديث صحيح).
صيغ وأدعية عامة يُمكن الدعاء بها لمصر
هذه مجموعة من صيغ الدعاء العامة التي يتداولها الناس حبًا في مصر، والتي تجمع معاني الخير والبركة والأمن، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء الطيب:
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ مِصْرَ وَأَهْلَهَا، أَمْنَهَا وَأَمَانَهَا، لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا، أَرْضَهَا وَسَمَاءَهَا، وَنِيلَهَا وَخَيْرَاتِهَا، فَاحْفَظْهَا يَا رَبِّ يَا مَنْ لَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِصْرَ بَلَدًا آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اكْفِهَا شَرَّ الْأَشْرَارِ، وَكَيْدَ الْفُجَّارِ، وَشَرَّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
- يَا رَبِّ، وَحِّدْ صُفُوفَ أَهْلِ مِصْرَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ شِرَارَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اكْشِفِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَارْفَعِ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنْ مِصْرَ وَأَهْلِهَا، وَارْزُقْهُمْ مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ.
- اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَصُنْ أَعْرَاضَهُمْ، وَاحْفَظْ أَمْوَالَهُمْ، وَاجْعَلْهُمْ فِي حِفْظِكَ وَكَنَفِكَ وَأَمَانِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس من أدعية عامة، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الصياغة المحددة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع.
حكم الدعاء للوطن في الإسلام
الدعاء للوطن بالاستقرار والرخاء وصلاح الحكام والرعية هو أمر مشروع ومستحب في الإسلام، فهو يندرج تحت عموم الدعاء للمسلمين بالخير، وتحت محبة الخير للبلاد التي يعيش فيها المسلم ويقيم شعائر دينه، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالبركة للمدينة وأهلها، مما يدل على مشروعية الدعاء لمكان إقامة المسلم.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة يوسف، الآية 99.
- سورة يونس، الآية 87.
- سورة الزخرف، الآية 51.
- سورة البقرة، الآية 126.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يمكن أن أدعو به لمصر؟
أفضل الدعاء هو ما كان مأثوراً من القرآن والسنة، كدعاء إبراهيم عليه السلام: “رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا…”، والأدعية النبوية الجامعة لصلاح الدين والدنيا، كما يمكنك الدعاء بأي صيغة طيبة تطلب فيها من الله الخير والأمن والرخاء لمصر وأهلها.
هل الدعاء للوطن وللحاكم من الأمور المشروعة؟
نعم، الدعاء للوطن بالصلاح والأمن، وللحاكم بالتوفيق والهداية والصلاح، هو من الأمور المشروعة التي حث عليها أهل العلم، لأن في صلاح الحاكم والبلاد صلاحاً لأحوال العباد.
ما هي أوقات استجابة الدعاء؟
توجد أوقات وأحوال عديدة يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة (خاصة آخر ساعة منه)، وعند نزول المطر.
ندعو الله العلي القدير أن يحفظ مصر وسائر بلاد المسلمين من كل سوء، وأن يرزق أهلها الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يولي عليهم خيارهم، ويجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.


