الجن والشياطين من مخلوقات الله تعالى، وهم كالبشر منهم المؤمن ومنهم الكافر، وقد أخبرنا الله عز وجل عنهم في كتابه الكريم بقوله:
“إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ” [الأعراف: 27]
، وقد ثبت في الشريعة الإسلامية ما قد يقع من أذى الجن والشياطين للإنسان، فهم أعداء له يسعون لإغوائه وإلحاق الضرر به، لذلك، أرشدنا الإسلام إلى أهمية المداومة على التحصينات الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، في هذا المقال، نستعرض أهم الأدعية والأذكار الموثوقة للتحصين.
التحصين بالقرآن الكريم: أقوى درع للمسلم
القرآن الكريم هو أعظم حصن للمسلم من كل شر، وقد وردت نصوص شرعية تخص فضائل سور وآيات محددة في الوقاية من الشياطين، ومن أهمها:
- قراءة سورة البقرة في البيت: لها فضل عظيم في طرد الشياطين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ”
(رواه مسلم).
- قراءة آية الكرسي: تعد أعظم آية في القرآن، وقراءتها قبل النوم تحفظ المسلم من الشيطان حتى يصبح، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال له الشيطان: “إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ”، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، (رواه البخاري).
- آخر آيتين من سورة البقرة: قراءتهما في ليلة تكفي المسلم من كل شر، لقوله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ”
(متفق عليه).
- المعوذتان (سورة الفلق وسورة الناس): كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما، فهما من أفضل ما يُستعاذ به من الشرور.
أدعية صحيحة للتحصين من السنة النبوية
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية وأذكار ثابتة للتحصين من الجن والشياطين، يُستحب للمسلم المداومة عليها في أوقاتها:
- عند الصباح والمساء: قول:
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
(ثلاث مرات)، (حديث حسن رواه الترمذي).
- للحماية من كل شر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ”
(متفق عليه).
- للوقاية من السحر والعين والشياطين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”
(رواه البخاري).
- عند نزول مكان: قول:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”
(رواه مسلم).
- عند الشعور بألم في الجسد: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: “بِسْمِ اللهِ” (ثلاثاً)، وقل (سبع مرات):
“أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”
(رواه مسلم).
صيغ وأدعية شائعة للتحصين
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في نصوص شرعية صحيحة، وإنما هي من اجتهاد بعض الناس أو مما توارثوه، ومن أمثلة هذه الصيغ:
- “اللهم اصرع هذا الشيطان العاشق في جسدي كلما دنا مني واقترب، اللهم احفظني من عندك فأنت خيرٌ حافظًا، اللهم سلِّط عليه من يسومه سوء العذاب والجلد ليلاً ونهارًا حتى يخرج من جسدي”.
- “اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن كل سلطان شديد ومن كل شيطان مريد ومن شر كل جبار عنيد ومن شر قضاء السوء ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنك على صراط مستقيم وأنت على كل شيء حفيظ، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”.
- “أعوذ بكلمات الله الكاملة التي لا يقدر أحد على تجاوزها سواء كان بَرًّا أو فاجرًا، وأتحصن بها من الشر الذي ينزل من السماء أو يخرج منها، ومن الشر الذي يعمّ الأرض أو ينبثق منها، وأستعيذ بها من كل شرور الليل والنهار”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها.
ما حكم الأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
الأصل في الأذكار والأدعية هو التوقيف، أي الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأدعية العامة التي لا تحتوي على ألفاظ محرمة أو مخالفة للعقيدة، فيجوز الدعاء بها، ولكن لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيص فضل معين أو عدد معين لها لم يرد به دليل شرعي، والأفضل والأسلم للمسلم هو الاكتفاء بالأدعية المأثورة من الكتاب والسنة، ففيها الخير والبركة والكفاية.
الطرق المثلى لتحصين النفس والبيت
التحصين منهج حياة متكامل لا يقتصر على قراءة الأذكار فحسب، بل يشمل الالتزام بتعاليم الإسلام العامة، ومن أهم هذه الطرق:
- المحافظة على الصلوات الخمس في وقتها: فهي أعظم حصن للمسلم، وركن الإسلام الأساسي.
- الالتزام بأذكار الصباح والمساء: فهي درع واقٍ للمسلم طوال يومه وليلته.
- ذكر الله عند دخول المنزل وعند الطعام: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ”
(رواه مسلم).
- اجتناب المعاصي والذنوب: فالذنوب تضعف حصانة المسلم وتجعل للشيطان سبيلاً عليه.
- تطهير البيت من المنكرات: مثل الصور والتماثيل وآلات اللهو المحرم، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، وغياب الملائكة يفتح المجال للشياطين.
- كثرة ذكر الله وقراءة القرآن: فبذكر الله تطمئن القلوب، وتفر الشياطين من البيت الذي يُذكر فيه الله.
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 27.
- صحيح مسلم، حديث رقم 780، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 2311، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري (5010)، وصحيح مسلم (808)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3391، وقال: حديث حسن، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري (3293)، وصحيح مسلم (2563)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 3371، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2708، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2018، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت لأدعية التحصين؟
أفضل وقت هو الالتزام بالأذكار المخصصة لأوقات معينة، مثل أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة العصر، وأذكار النوم قبل النوم مباشرة، أما الأدعية العامة فيمكن الدعاء بها في كل وقت وحين.
هل يجوز استخدام أدعية من تأليفي للتحصين؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع، كأن يقول “اللهم احفظني من كل سوء”، ولكن الكمال والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها جامعة للمعاني، مباركة، وأبعد عن الخطأ.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والأكمل هو الاكتفاء بما ورد في القرآن الكريم (مثل آية الكرسي والمعوذتين) وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية التحصين (مثل “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”)، هذه الأدعية ثابتة، مباركة، وكافية بإذن الله لحفظ المسلم.

