إن رؤية النبي محمد ﷺ في المنام شرفٌ عظيم ونعمة كبرى يتوق إليها قلب كل مسلم، فهي من أعظم البشائر التي قد يراها المؤمن في منامه، ولمحبة المسلمين الصادقة لرسولهم، يسعى الكثيرون لمعرفة السبل الشرعية التي قد تكون سببًا في نيل هذا الفضل، إن الطريق إلى هذا الشرف لا يكمن في صيغ محددة لم تثبت، بل في صدق المحبة، وكمال الاتباع، والإكثار من الصلاة والسلام عليه ﷺ.
الوسائل الشرعية لنيل شرف رؤية النبي ﷺ في المنام
لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة دعاءٌ مخصصٌ يُقال لرؤية النبي ﷺ في المنام، ولكن العلماء والصالحين استنبطوا من النصوص العامة أن هناك أعمالاً صالحة يرتفع بها قدر العبد عند الله، وقد تكون سبباً في إكرامه بهذه الرؤيا المباركة، من أهم هذه الوسائل:
- صدق المحبة والاتباع: إن المحبة الصادقة للنبي ﷺ، والتي تظهر في الحرص على اتباع سنته، والاقتداء بهديه في الأقوال والأفعال، هي أعظم وسيلة للتقرب منه، قال تعالى:
“قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” [آل عمران: 31].
.
- الإكثار من الصلاة عليه ﷺ: الصلاة على النبي ﷺ من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، وهي سبب مباشر لنيل شفاعته ومحبته، وأفضل صيغ الصلاة عليه هي “الصلاة الإبراهيمية” التي تُقال في التشهد.
- الشوق الصادق لرؤيته: عندما يمتلئ القلب شوقًا لرؤية الحبيب المصطفى ﷺ، مع الدعاء العام بأن يكرمه الله بهذا الفضل، فإن الله المطلع على القلوب قد يجيب دعاء عبده الصادق.
- التحلي بأخلاقه: السعي للتخلق بأخلاق النبي ﷺ من صدق وأمانة ورحمة وتواضع، يطهّر القلب ويجعله أهلاً لنيل الكرامات.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رؤيته في المنام حق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي ﷺ يقول:
“مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6993).
أمثلة على صيغ وأدعية شائعة يتداولها الناس
ينتشر بين بعض الناس صيغ أدعية وصلوات معينة يعتقدون أنها خُصصت لرؤية النبي ﷺ في المنام، ورغم أن معانيها قد تكون حسنة في مجملها، إلا أنه من المهم التنبيه على أنها لم ترد في مصادر التشريع المعتبرة، ومن هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
- اللَّهُمَّ بِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، ارْزُقْنِي رُؤْيَةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَاجْعَلْنِي أَرَاهُ فِي مَنَامِي.
- اللَّهُمَّ صَلِّ صَلَاةً كَامِلَةً وَسَلِّمْ سَلَامًا تَامًّا عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي تُنْحَلُّ بِهِ الْعُقَدُ وَتَنْفَرِجُ بِهِ الْكُرَبُ..، (الصلاة النارية).
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ وغيرها مما يتداوله بعض الناس، لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها، وتخصيص عبادة بصيغة معينة أو فضل معين لم يرد به دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة التي ينبغي الحذر منها.
ما حكم تخصيص دعاء معين لرؤية النبي في المنام؟
أوضح أهل العلم أن تخصيص دعاء أو عبادة بصيغة أو كيفية لم ترد في الشرع، مع اعتقاد أن لها فضلاً خاصاً، هو أمر غير مشروع، أما الدعاء بالصيغ العامة التي لم ترد، دون اعتقاد سنيتها أو أن لها فضلاً خاصاً، فهو جائز ما لم تتضمن معانٍ باطلة، والأفضل والأكمل للمسلم هو الالتزام بالأدعية المأثورة من الكتاب والسنة، فهي جامعة للخير، ومباركة، وأبعد عن الخطأ.
أدعية عامة يمكن الدعاء بها
يمكن للمسلم أن يدعو الله بأي صيغة طيبة تفيض من قلبه، يسأله فيها هذا الشرف العظيم، دون أن ينسبها إلى السنة، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَرَفَ رُؤْيَتِهِ فِي الْمَنَامِ، وَشَفَاعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.”.
- “رَبِّ، بِشَوْقِي لِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، أَكْرِمْنِي بِرُؤْيَا صَالِحَةٍ أَرَى فِيهَا وَجْهَهُ الْكَرِيمَ، وَاجْمَعْنِي بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.”.
- “اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَدَدَ خَلْقِكَ، وَرِضَا نَفْسِكَ، وَزِنَةَ عَرْشِكَ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذِهِ الصَّلَاةَ سَبَبًا فِي الْقُرْبِ مِنْهُ وَرُؤْيَتِهِ.”.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 31.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6993، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل هناك دعاء صحيح مخصص لرؤية النبي في المنام؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص لهذا الغرض، وإنما هي أعمال صالحة عامة مثل صدق المحبة، واتباع السنة، والإكثار من الصلاة عليه ﷺ.
ما صحة حديث “من رآني في المنام فقد رآني حقاً”؟
هذا الحديث صحيح وثابت، رواه الإمام البخاري وغيره، وهو يؤكد أن رؤية النبي ﷺ في المنام على صورته الحقيقية هي رؤيا حق وليست من الشيطان.
ما هي أفضل صيغة للصلاة على النبي ﷺ؟
أفضل الصيغ وأكملها هي “الصلاة الإبراهيمية” التي نقولها في التشهد الأخير من الصلاة: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ…” إلى آخرها.


