إنَّ من ابتلاءات الدنيا التي يختبر الله بها عباده المؤمنين لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم، الإصابة بالأمراض، وقد أرشدنا الإسلام إلى الأخذ بأسباب العلاج الدنيوية، كالتداوي عند الأطباء، مع اليقين التام بأن الشفاء من عند الله وحده، ويُعدُّ الدعاء واللجوء إلى الله من أعظم أسباب الشفاء، فالقرآن الكريم شفاء للأبدان والقلوب.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:

“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا” [الإسراء: 82]

وفيما يلي نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والآيات القرآنية التي يُستشفى بها، مع بيان مصادرها الموثوقة.

أدعية صحيحة للشفاء من السنة النبوية

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد أو اشتكى، يدعو له بأدعية جامعة ومباركة، ومن هذه الأدعية الثابتة في السنة الصحيحة:

• الدعاء العام للشفاء:عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول:
  

  “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.”

  المصدر: صحيح البخاري (5743)، وصحيح مسلم (2191)، وهو من أصح الأدعية في هذا الباب.

• دعاء زيارة المريض (يُقال سبع مرات):عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.”

  المصدر: سنن أبي داود (3106)، وسنن الترمذي (2083)، (حديث حسن).

• دعاء المريض لنفسه عند الشعور بالألم:عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  

  “ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ (ثَلَاثًا)، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.”

  المصدر: صحيح مسلم (2202).

• دعاء عام للحفظ والتحصين:يُعد هذا الدعاء من أسباب الحفظ من كل سوء، وهو نافع للتحصين من الأمراض والآفات قبل وقوعها.
  

  “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.”

  المصدر: صحيح البخاري (3371).

• دعاء لرفع البلاء والشدائد:هذا الدعاء جامع للاستعاذة من المصائب والشدائد، ومنها الأمراض.
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.”

  المصدر: صحيح البخاري (6347).

وسائل شرعية معينة على الشفاء

إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة لها أثر عظيم في رفع البلاء وجلب الشفاء بإذن الله، حيث يتقرب بها العبد إلى ربه، ومنها:

• العلاج بالصَّدقة: للصدقة أثر عظيم في دفع البلاء وتفريج الكروب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات”، فالتصدق بنية الشفاء من أعظم القربات التي يرجى نفعها.
• التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى: الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى من أقوى أسباب إجابة الدعاء، فيمكن للمريض أن يتوسل إلى الله باسمه “الشافي” و”المعافي” و”الرحمن” و”الرحيم”، فيقول: “يا شافي، اشفني”.
• الإكثار من الاستغفار: الاستغفار سبب لنزول الرحمات ورفع البلاء، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
  

  “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا” [نوح: 10]

  ، فكثرة الاستغفار تفتح أبواب الفرج.

• المحافظة على الصلاة: الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي مصدر للطمأنينة والراحة النفسية التي تعين الجسد على مقاومة المرض، قال تعالى:.

“وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ” [البقرة: 45]

• الصيام: أثبتت الدراسات الحديثة الفوائد الصحية للصيام في تقوية المناعة وتجديد خلايا الجسم، وهو قبل ذلك عبادة عظيمة يتقرب بها العبد إلى الله، مما يجعله سبباً للبركة والشفاء.

آيات قرآنية للرقية والشفاء

القرآن الكريم كله شفاء، وقد ورد التخصيص في السنة النبوية ببعض السور والآيات التي لها أثر خاص في الرقية الشرعية، ومنها:

• سورة الفاتحة: هي “الشافية” و”الكافية”، وتُقرأ على المريض مع النفث، وقد ثبت أثرها في الشفاء في حديث اللديغ الذي رقاه الصحابي بالفاتحة فبرأ بإذن الله.
• آية الكرسي (البقرة: 255): أعظم آية في القرآن، وفيها حفظ وحماية من كل سوء.
• آخر آيتين من سورة البقرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه”، (متفق عليه).
• سورة الإخلاص والمعوذتان (الفلق والناس): كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهن وينفث على نفسه في مرضه، ويمسح بهما ما استطاع من جسده.

آيات “الشفاء” في القرآن الكريم

ورد لفظ “الشفاء” ومشتقاته في ست آيات من القرآن الكريم، ويستأنس العلماء بتلاوتها على المريض بنية الشفاء:

• “وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة: 14]

  .

• “وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ” [يونس: 57]

  .

• “يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ” [النحل: 69]

  .

• “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82]

  .

• “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80]

  .

• “قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ” [فصلت: 44]

  .

صيغ دعاء عامة لطلب الشفاء

يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ الدعاء، ما دامت لا تحتوي على اعتداء أو مخالفة شرعية، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها:

تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة ومما يجري على ألسنة الناس، وهي جائزة ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، ومع ذلك، فإن الأصل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة للخير ومباركة.

• اللهم يا من وسعت رحمتك كل شيء، نسألك أن تمنّ علينا بالشفاء العاجل، وأن تزيل عنا كل مرض، وتخفف عنا كل ألم، وتلبسنا لباس الصحة والعافية يا أكرم الأكرمين.
• لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين.
• اللهم يا مُجيب الدعوات، ويا كاشف الكربات، ويا مُنزل الشفاء، اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وأعد إليهم قوتهم، وأزل عنهم كل ألم، إنك أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا.
• يا الله، يا من أمره بين الكاف والنون، نسألك أن تفرّج كرب المكروبين، وتزيل بأس المرضى، وتمنّ عليهم بالصحة والعافية، اللهم احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك يا أرحم الراحمين.

أسئلة شائعة حول أدعية الشفاء

ما هو أفضل دعاء للشفاء من المرض؟

أفضل الأدعية هي ما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجمعها وأصحها دعاء: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”، لأنه يجمع بين التوحيد (أنت الشافي) والتوكل وطلب الشفاء التام.

هل يجوز الدعاء للشفاء بصيغ لم ترد في السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي تناسب حاله، بشرط ألا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ولكن، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.

كيف أجمع بين العلاج الطبي والدعاء؟

الإسلام دين يأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فالعلاج الطبي هو من الأخذ بالأسباب المشروعة، والدعاء والرقية هما من الأسباب الشرعية، والمؤمن يجمع بينهما؛ فيذهب إلى الطبيب ويتناول الدواء، وفي نفس الوقت يلجأ إلى الله بالدعاء والرقية، موقنًا أن الشافي الحقيقي هو الله وحده.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر