يوم عرفة هو أحد أعظم أيام الله، وله مكانة جليلة في الإسلام، فهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم النعمة على عباده، ففي هذا اليوم المبارك، يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات، متضرعين إلى الله تعالى، في مشهد إيماني مهيب، ولغير الحاج، يُستحب صيامه والاجتهاد فيه بالطاعات، لما ورد في فضله من أجر عظيم ومغفرة للذنوب، فهو فرصة سنوية لتجديد العهد مع الله وطلب العفو والرحمة.
فضل صيام يوم عرفة وحكمه الشرعي
صيام يوم عرفة لغير الحاج من السنن المؤكدة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، لما له من فضل عظيم وثواب جزيل، وقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة من السنة النبوية الشريفة.
فضل صيام يوم عرفة
ورد الفضل العظيم لصيام هذا اليوم في حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال:
“يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1162، وهذا الحديث الصحيح هو الأصل في بيان فضل صيامه، حيث يُرجى لمن صامه إيماناً واحتساباً أن يغفر الله له ذنوب سنتين.
الحكم الشرعي لصيام يوم عرفة
أجمع العلماء على استحباب صيام يوم عرفة لغير الحاج، وهو رأي المذاهب الفقهية المعتبرة، أما بالنسبة للحاج الواقف بعرفة، فالحكم يختلف:
- لغير الحاج: يُسن صيامه وهو من أفضل القربات.
- للحاج: يُكره له الصيام، والسنة في حقه أن يكون مفطراً، الحكمة من ذلك هي تقويته على الدعاء والذكر والعبادة في هذا الموقف العظيم، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أنه كان مفطراً يوم عرفة وهو واقف بها.
نية صيام يوم عرفة: كيف تكون؟
النية هي أساس قبول الأعمال، ومحلها القلب، ولا يُشترط التلفظ بها، فمن عزم بقلبه على صيام يوم عرفة من الليل أو قبل فجر اليوم، فقد صحت نيته، وصيام يوم عرفة هو من صيام النفل، الذي تجوز فيه النية من النهار عند جمهور العلماء، بشرط ألا يكون قد أتى بمُفطِّر بعد الفجر.
فيكفي أن يستحضر المسلم في قلبه أنه سيصوم غداً (يوم عرفة) تقرباً إلى الله تعالى وطمعاً في الأجر المذكور في السنة النبوية.
أمثلة على صيغ شائعة للتلفظ بالنية
ينتشر بين الناس بعض الصيغ اللفظية التي يرددونها كنية للصيام، ورغم أن الأصل في النية أنها عمل قلبي، نذكر هنا بعض هذه الصيغ المتداولة للعلم بها:

- “اللَّهُمَّ إِنِّي نَوَيْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا لَكَ، فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَأَعِنِّي عَلَيْهِ.”.

- “يَا رَبِّ، إِنِّي أَعْزِمُ عَلَى صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ وَطَلَبًا لِمَغْفِرَتِكَ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي.”.

- “اللَّهُمَّ إِنِّي نَوَيْتُ صِيَامَ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ خَالِصًا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.

- “يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أَنْوِي صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ رَجَاءً فِي فَضْلِكَ وَعِتْقِكَ، فَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ.”.

- “اللَّهُمَّ إِنِّي عَقَدْتُ النِّيَّةَ عَلَى صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ طَاعَةً لَكَ وَابْتِغَاءً لِمَغْفِرَتِكَ، فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي يَا كَرِيمُ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن النية، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، فالنية محلها القلب، والتلفظ بها ليس شرطاً لصحة الصيام، والأصل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
أفضل الأعمال المستحبة في يوم عرفة
يوم عرفة فرصة عظيمة للإكثار من الطاعات والقربات، ومن أفضل الأعمال التي يُوصى بها في هذا اليوم المبارك:
- الدعاء: هو أفضل العبادات في هذا اليوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3585، وحسنه الألباني.
- الذكر والتكبير: الإكثار من ذكر الله تعالى، خاصة التكبير والتهليل والتحميد، وصيغة التكبير المشروعة هي: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
- قراءة القرآن: تدبر آيات الله وتلاوتها من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الإكثار من الصلاة على النبي بصيغها الصحيحة الثابتة، مثل الصلاة الإبراهيمية التي تُقال في التشهد.
- التوبة والاستغفار: هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، فينبغي للمسلم أن يُقبل على الله تائباً مستغفراً، نادماً على ما فات ومُقلعاً عن الذنوب.
من فضائل يوم عرفة الثابتة
لهذا اليوم فضائل عظيمة وخصائص فريدة، منها ما ثبت بالأدلة الصحيحة:
- يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: فيه نزلت الآية الكريمة التي تعد من أواخر ما نزل من القرآن:
“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة: 3].
.
- يوم العتق من النار: هو أكثر يوم يعتق الله فيه عباده من النار، قال صلى الله عليه وسلم:
“مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1348.
- مباهاة الله بأهل الموقف: يباهي الله تعالى بأهل الموقف (الحجاج الواقفين بعرفة) ملائكته، وهذا دليل على شرف هذا اليوم وعظم مكانته.
المصادر والمراجع
- سورة المائدة، الآية 3.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1162، وحديث رقم 1348، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3585، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
متى تبدأ نية صيام يوم عرفة؟
الأفضل عقد النية من الليل، أي قبل طلوع الفجر، ولكن لأنه صيام نفل، يجوز عند جمهور العلماء عقد النية في النهار قبل الزوال (الظهر)، بشرط ألا يكون المسلم قد تناول طعاماً أو شراباً أو أتى بمفطر بعد الفجر.
هل يجوز صيام يوم عرفة وعليّ قضاء من رمضان؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، الأحوط والأبرأ للذمة هو أن يبدأ المسلم بقضاء ما عليه من رمضان أولاً، لأن الفرض مقدم على النفل، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز صيام النفل قبل القضاء، ولكن الأولى هو تقديم القضاء.
ما هو أفضل دعاء في يوم عرفة؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في الحديث الصحيح: “لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، ويُستحب للمسلم أن يجمع معه الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويدعو بما شاء من حاجاته بإلحاح ويقين.