يُعدّ الذكر والدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وتُمثل أذكار المساء حصنًا منيعًا للمؤمن، ومصدرًا للسكينة والطمأنينة في ختام يومه، إن تخصيص وقت في المساء لمناجاة الله تعالى والتضرع إليه هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ووسيلة لجلب البركة والحفظ من كل سوء، حيث تهدأ النفس وتستعد لاستقبال ليلة جديدة في معية الله ورعايته.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية والأذكار المسائية الصحيحة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مع بيان مصادرها، بالإضافة إلى بعض الأدعية العامة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها.
أذكار المساء الصحيحة من القرآن والسنة
الأصل في الأذكار أن تكون توقيفية، أي نلتزم فيها بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيما يلي أهم ما صحّ من أذكار المساء:
1، آية الكرسي
من أعظم آيات القرآن الكريم، ولها فضل عظيم في الحفظ والحماية، فمن قرأها حين يمسي، لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” [البقرة: 255].
المصدر: ورد فضلها في حديث صحيح رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني.
2، المعوذات (الإخلاص والفلق والناس)
وهي سور الإخلاص والفلق والناس، وتُقرأ ثلاث مرات في المساء، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “تكفيك من كل شيء”.
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ” [سورة الإخلاص].
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” [سورة الفلق].
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” [سورة الناس].
المصدر: رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”.
3، سيد الاستغفار
وهو أفضل صيغ الاستغفار، ومن قاله في المساء موقنًا به فمات من ليلته دخل الجنة.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري.
4، أذكار نبوية أخرى
- “أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ ما في هذِه اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ ما بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما في هذِه اللَّيْلَةِ وَشَرِّ ما بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بكَ مِنَ الكَسَلِ وَسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بكَ مِن عَذَابٍ في النَّارِ وَعَذَابٍ في القَبْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم. - “اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن. - “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”، (يُقال ثلاث مرات)
المصدر: صحيح مسلم، من قاله حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح.
أدعية مأثورة وأدعية عامة للمساء
إلى جانب الأذكار النبوية المحددة، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الصيغ المأثورة أو العامة التي يُستحب الدعاء بها، مع التنبيه أنها ليست من الأذكار المسائية الثابتة بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.
(تنبيه: هذا الدعاء مأثور عن بعض السلف مثل أبي الدرداء رضي الله عنه، ولكنه لم يثبت بسند صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز الدعاء به كدعاء عام).. - اللهم إني ألجأ إليك مستجيرًا برحمتك، وأعوذ بك من كل شر، اللهم زين قلوبنا بالإيمان، واجعله أحب شيء إلينا، ووفقنا لما تحبه وترضاه، واصرف عنا الفسوق والعصيان، واهدنا إلى سبيل الراشدين.
- اللهم اغفر لي جميع ذنوبي، دِقّها وجِلّها، وأولها وآخرها، وعلانيتها وسرها، اللهم اصفح عن أخطائي، ما علمتُ منها وما لم أعلم، إنك أنت الغفور الرحيم.
- اللهم ارزقني من فضلك رزقًا حلالًا طيبًا، وبارك لي فيما أعطيتني، وارزقني الذرية الصالحة، وارفع عني البلاء والهم، اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، أن تغفر لي خطاياي كلها، إنك أنت الغفور الرحيم.
- اللهم إني أسألك حياةً طيبة، وميتةً سوية، ومردًّا غير مُخزٍ ولا فاضح، اللهم اجعل نفسي قنوعة بما أعطيتني، وبارك لي فيه، وعوضني خيرًا عن كل ما فقدت.
فضل أذكار المساء وأهميتها
المواظبة على أذكار المساء لها فضائل عظيمة وآثار إيجابية على حياة المسلم، ومن أبرزها:
- الحفظ والحماية: هي حصن منيع يحمي المسلم من شرور الشيطان، والسحر، والعين، ومن كل أذى قد يصيبه، كما ورد في فضل آية الكرسي والمعوذات.
- الطمأنينة وراحة القلب: ذكر الله هو سبب سكون النفس وطمأنينة القلب، كما قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28].
.
- مغفرة الذنوب: المداومة على الاستغفار، وخصوصًا سيد الاستغفار، سبب لمحو الخطايا ونيل مغفرة الله تعالى.
- نيل رضا الله والقرب منه: الذاكر لله تعالى يكون في معيته، كما جاء في الحديث القدسي:
“أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني…”
(متفق عليه).
- زيادة البركة في الرزق والعمر: الذكر من أعظم أسباب جلب الرزق والبركة في شؤون الحياة كلها.
- نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم: الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ضمن الأذكار سبب لنيل شفاعته يوم القيامة.
- الثواب العظيم والأجر الجزيل: يُعد الذاكرون الله من أفضل العباد منزلة يوم القيامة، حيث يضاعف الله لهم الأجور.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة الإخلاص.
- سورة الفلق.
- سورة الناس.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح البخاري، حديث سيد الاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث “أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ”، وحديث “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث فضل المعوذات، وحديث “اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أذكار المساء
- ما هو الوقت الصحيح لأذكار المساء؟
- يبدأ وقت أذكار المساء من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ويمتد عند بعض العلماء إلى ما بعد صلاة المغرب حتى منتصف الليل، والأفضل هو الإتيان بها في أول وقتها.
- هل كل الأدعية المذكورة في المقال صحيحة وثابتة؟
- المقال يميز بوضوح بين قسمين: القسم الأول “أذكار المساء الصحيحة” وهو يحتوي على ما ثبت في القرآن والسنة مع ذكر مصادره، أما القسم الثاني “أدعية مأثورة وعامة” فيحتوي على صيغ حسنة يجوز الدعاء بها، ولكنها لم تثبت كأذكار مسائية محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ماذا أفعل إذا نسيت قول أذكار المساء في وقتها؟
- إذا فات وقت الأذكار لعذر كنوم أو نسيان، فيرى كثير من أهل العلم أنه يُشرع قضاؤها عند تذكرها، تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء السنن الرواتب.

