مع مرور الأيام وانقضاء عام واستقبال آخر، يقف المسلم وقفة تأمل ومحاسبة، مستشعرًا قيمة الوقت كنعمة من الله تستوجب الشكر وحسن الاستغلال، وتُعد هذه الأوقات فرصة لتجديد النية، والتوبة الصادقة، والإقبال على الله تعالى بالدعاء، فهو سبحانه القائل:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة: 186].
فالدعاء عبادة عظيمة لا تقتصر على زمان أو مكان، وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ به إلى ربه في كل أحواله، سائلاً إياه خيرَي الدنيا والآخرة.
ما حكم تخصيص دعاء معين ببداية العام الجديد؟
من المهم التنبيه على أنه لم يرد في السنة النبوية الشريفة دعاء مخصص لاستقبال عام جديد (هجريًا كان أو ميلاديًا)، ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام تخصيص هذا الوقت بعبادة معينة، الأصل في العبادات التوقيف، أي الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
ومع ذلك، لا حرج على المسلم أن يدعو الله في أي وقت بما يفتح عليه من خيري الدنيا والآخرة، وأن يجعل من بداية العام فرصة للمحاسبة والتوبة والدعاء العام بالبركة والتوفيق، دون أن يعتقد أن لهذه الأدعية فضلاً خاصاً مرتبطاً بهذا التوقيت تحديداً.
أدعية جامعة من القرآن والسنة تناسب كل وقت
الأفضل للمسلم هو الحرص على الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ويمكن الدعاء بها في كل وقت وحين، ومنها:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
- دعاء صلاح الأمور كلها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، (صحيح مسلم، حديث صحيح).
.
- دعاء سؤال الخير والاستعاذة من الشر:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ…”، (سنن ابن ماجه، حديث صحيح).
.
صيغ وأدعية عامة شائعة لاستقبال العام الجديد
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء في بداية العام، وهي تعبر عن أمنيات طيبة ورغبة في الخير، يمكن الدعاء بمثل هذه الصيغ العامة التي لا تخالف الشرع، مع استحضار النية بأنها دعاء مطلق وليس سنة مخصصة.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْعَامَ عَامَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَأَمْنٍ وَإِيمَانٍ، وَسَلَامَةٍ وَإِسْلَامٍ، وَارْزُقْنَا فِيهِ التَّوْفِيقَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
- يَا رَبِّ، مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا مَا مَضَى، وَأَنْ تُبَارِكَ لَنَا فِيمَا هُوَ آتٍ، وَأَنْ تَجْعَلَهُ عَامًا لَا يَضِيقُ لَنَا فِيهِ صَدْرٌ، وَلَا يَخِيبُ لَنَا فِيهِ أَمْرٌ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ سَنَةً مَضَتْ مِنْ أَعْمَارِنَا، فَاغْفِرْ لَنَا فِيهَا تَقْصِيرَنَا، وَنَسْتَوْدِعُكَ عَامًا جَدِيدًا قَدْ أَقْبَلَ، فَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ.
- رَبَّنَا، اجْعَلْ خَاتِمَةَ هَذَا الْعَامِ غُفْرَانًا لِذُنُوبِنَا وَقَبُولًا لِأَعْمَالِنَا، وَاجْعَلْ بِدَايَةَ الْعَامِ الْجَدِيدِ صَلَاحًا لِأَحْوَالِنَا وَتَحْقِيقًا لِآمَالِنَا.
- اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، يَا مُدَبِّرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، حَوِّلْ حَالَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَالٍ، وَقَرِّبْنَا إِلَيْكَ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها.
دعاء للأهل والأصدقاء مع بداية العام
الدعاء للغير بظهر الغيب من أعظم القربات وأرجى الأدعية للقبول، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ”، (صحيح مسلم، حديث صحيح).
ويمكن للمسلم أن يدعو لأحبائه وأصدقائه بأدعية عامة، مثل:
- اللَّهُمَّ مَعَ بِدَايَةِ هَذَا الْعَامِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَ أَهْلِي وَأَحِبَّتِي وَأَصْدِقَائِي، وَأَنْ تَرْزُقَهُمُ الصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ، وَالسَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
- يَا رَبِّ، بَارِكْ لِأَصْدِقَائِي فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَاجْعَلْ هَذَا الْعَامَ فَاتِحَةَ خَيْرٍ عَلَيْهِمْ، وَحَقِّقْ لَهُمْ فِيهِ كُلَّ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنْ خَيْرٍ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ “فلان” (تذكر الاسم)، فَاحْفَظْهُ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْ عَامَهُ الْجَدِيدَ عَامَ فَرَحٍ وَسُرُورٍ وَتَوْفِيقٍ.
- رَبِّ، أَسْعِدْ قَلْبَ مَنْ أُحِبُّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَأَبْعِدْ عَنْهُ كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ، وَارْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
نصائح لاستقبال العام الجديد بروح إيمانية
بدلاً من الانشغال بالمظاهر والاحتفالات التي قد لا تتوافق مع هدي الإسلام، يمكن للمسلم استقبال العام الجديد بأعمال صالحة ترسخ إيمانه وتقربه من ربه:
- المحاسبة: مراجعة النفس على ما قدمت في العام المنصرم من طاعات وتقصير، والعزم على التوبة والإصلاح.
- التوبة والاستغفار: الإكثار من الاستغفار بنية محو الذنوب والبدء بصفحة جديدة مع الله.
- التخطيط للخير: وضع أهداف دينية ودنيوية للعام القادم، كحفظ القرآن، أو صلة الرحم، أو تعلم علم نافع.
- الشكر: شكر الله على نعمه التي لا تُحصى، وعلى نعمة العمر والصحة والإيمان.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 186.
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2726، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل يوجد دعاء مخصص للسنة الجديدة في السنة النبوية؟
لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام دعاء خاص ببداية العام الجديد، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة من القرآن والسنة في كل وقت.
هل يجوز الدعاء بالصيغ المنتشرة على الإنترنت للعام الجديد؟
يجوز الدعاء بها على أنها دعاء عام ومطلق، بشرط ألا يعتقد الداعي أن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة نبوية متبعة، وأن تكون معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع.
ما هو أفضل عمل أستقبل به العام الجديد؟
أفضل الأعمال هي التوبة الصادقة، ومحاسبة النفس، والعزم على زيادة الطاعات، وشكر الله على نعمه، مع الدعاء العام بالخير والبركة والتوفيق.
