يمر الإنسان بأوقاتٍ تتباين فيها مشاعره؛ فبينما تغمر السكينة قلبه أحيانًا، قد تسيطر عليه مشاعر القلق والتوتر أحيانًا أخرى، وهي طبيعة الحياة وتقلباتها، وفي هذه الأحوال، يجد المؤمن أعظم ملاذ له في التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، فهو سبيل الطمأنينة وراحة النفس.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة للخوف والقلق
إن خير ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة مباركة، وفيها الكفاية والبركة، ومن أصح ما ورد في هذا الباب:
- دعاء الكرب والهم الشديد: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”.
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني.
 - دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، قال تعالى:
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
المصدر: [سورة الأنبياء: 87]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
 - دعاء عند النوم لمن أصابه قلق أو فزع: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه:
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2713.
 - الاستعاذة بكلمات الله التامات:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ”.
المصدر: سنن أبي داود والترمذي، وهو حديث حسن.
 
أدعية عامة وصيغ مأثورة
إلى جانب الأدعية النبوية المحددة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ما دامت لا تحتوي على مخالفة شرعية، فباب الدعاء واسع، والله سبحانه وتعالى قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، كما قال في محكم تنزيله:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
المصدر: [سورة غافر: 60].
ومن الصيغ العامة التي يمكن الدعاء بها لطلب الطمأنينة وانشراح الصدر:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي عِنَايَتِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَاحْفَظْنِي مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يُؤرِّقُنِي وَيَشْغَلُ بَالِي، وَمِنْ كُلِّ مَا قَدْ يَضُرُّنِي، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي التَّقْوَى، وَزِدْنِي مِنْ مَغْفِرَتِكَ، وَاهْدِنِي لِلصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَيَسِّرْ لِي سُبُلَ الْخَيْرَاتِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ دُرُوبِ الْعُسْرِ وَالشَّرِّ.
 - يَا رَبِّ، أَنْتَ تَعْلَمُ مَا يُثْقِلُ قَلْبِي دُونَ أَنْ أَنْطِقَ بِهِ، فَوَكَّلْتُكَ أَمْرِي كُلَّهُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُبَدِّدَ مَخَاوِفِي، وَتَشْفِيَ صَدْرِي، وَتُزِيحَ هَمِّي، وَتُنِيرَ دَرْبِي بِفَرَحٍ وَسَعَادَةٍ تَغْمُرُ وِجْدَانِي.
 - اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي بُشْرَى تُنْسِينِي كُلَّ أَلَمٍ مَضَى، وَفَرَحًا عَظِيمًا أَتَذَكَّرُ بِهِ قُدْرَتَكَ وَلُطْفَكَ، فَأَسْجُدُ لَكَ شَاكِرًا عَلَى عَطَايَاكَ وَحِكْمَتِكَ وَتَدْبِيرِكَ.
 
أمثلة على صيغ منتشرة وحكمها
تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية التي لم ترد في مصادر التشريع المعتبرة، ومنها الأدعية التي تُبنى على التوسل بـ “الاسم الأعظم” بصيغ محددة، أو أدعية تُنسب لفضائل معينة دون دليل، وهذه أمثلة منها:
- “اللّهُمّ إنّي أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت وإذا سُئلت به أعطيت وإذا استرحمت به رحمت وإذا استفرجت به فرّجت أن تزيل عني كل كرب وترد عني مكر كل من أراد بي سوءًا…”.
 - “اللَّهُمَّ يا مالك المُلك ويا ذا الجلال والإكرام، أسألك باسمك العظيم الذي إذا دُعيت به تجيب وإذا سُئلت به تعطيني أن تفرج عني كل هم وكرب وتُبعد عني ضيق الصدر…”.
 
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ وأمثالها هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية والتخصيص، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ومع أن معنى هذه الأدعية قد يكون صحيحًا في مجمله، إلا أنه لا يجوز نسبتها إلى الشرع أو اعتقاد فضل خاص لها لم يرد به دليل.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
 - سورة غافر، الآية 60.
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2713، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي وأبي داود، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية للتحقق من درجة صحتها).
 
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لإزالة الخوف والقلق؟
كل الأوقات مناسبة للدعاء، فالله قريب من عبده دائمًا، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي غير واردة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وبأي صيغة، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم، وألا يحتوي على ألفاظ تخالف العقيدة الإسلامية، والأفضل دائمًا الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بحاجات النفس الخاصة.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح والأكمل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “دعاء الكرب” (اللهم إني عبدك…)، ودعاء يونس عليه السلام (لا إله إلا أنت سبحانك…)، وغيرها من الأدعية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وتحمل من جوامع الكلم ما يغني عن غيرها.
		
