الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو صلة مباشرة بين المخلوق والخالق، به تُطلب الحاجات وتُفرّج الكروب، وقد حثّ الله تعالى عليه في كتابه الكريم، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضله وآدابه في سنته الشريفة، عند مواجهة تحديات الحياة، سواء في طلب الرزق، أو السعي للنجاح، أو تيسير أمرٍ عسير، يظل اللجوء إلى الله بالدعاء هو الملاذ الآمن والسبيل الأقوم، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة لتيسير الأمور، مع التأكيد على أهمية الاستناد إلى المصادر الموثوقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
أدعية صحيحة ومأثورة لتيسير الأمور
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن الله ورسوله، فهذه الأدعية هي الأجمع للخير، والأعظم بركة، والأقرب للإجابة، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء نبي الله موسى عليه السلام
هذا الدعاء من الأدعية القرآنية العظيمة التي دعا بها نبي الله موسى عليه السلام عندما أرسله الله إلى فرعون، وهو دعاء جامع لطلب انشراح الصدر وتيسير الأمر.
“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿25﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿26﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴿27﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي” [طه: 25-28]
شرح موجز: طلب العون من الله لشرح الصدر، وتسهيل المهمة، وإزالة العوائق التي قد تحول دون إتمامها على الوجه الأكمل.
2، دعاء تيسير الأمر الصعب
هذا الدعاء من الأدعية النبوية التي يُستحب للمسلم أن يدعو بها إذا استصعب عليه أمرٌ ما.
“اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلاً”
المصدر: رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني، وهو دعاءٌ يُظهر توكل العبد على ربه، وإيمانه بأن الله وحده هو ميسِّر الأمور.
3، دعاء قضاء الدَّين وتفريج الهم
من الأدعية النبوية الشاملة التي تجمع بين الاستعاذة من الشر وطلب قضاء الحاجات، وهو مناسب لكل أمرٍ يواجه المسلم.
“اللهمَّ ربَّ السَّماواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، أنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليس دونَكَ شيءٌ، مُنزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والفرقانِ، فالقَ الحَبِّ والنَّوى، أعوذُ بكَ مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه، أنتَ الأوَّلُ فليس قبْلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شيءٌ، اقضِ عنَّا الدَّينَ وأَغْنِنا مِن الفقرِ.”
المصدر: رواه مسلم في صحيحه، هذا الدعاء يتضمن ثناءً عظيماً على الله بأسمائه وصفاته، ثم طلب قضاء الحاجة.
صيغ وأدعية منتشرة يمكن الاستئناس بها
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء لم ترد في نصوص محددة من القرآن أو السنة، بل هي من الأدعية العامة التي صاغها العلماء أو الصالحون، أو مما يجري على ألسنة الناس، يمكن الدعاء بها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، نذكر هنا بعض الأمثلة منها للاستئناس:
- “اللَّهُمَّ يَا رَازِقَ السَّائِلِينَ، يَا رَاحِمَ الْمَسَاكِينِ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينِ، وَيَا خَيْرَ النَّاصِرِينَ، يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، يَا غَيَّاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رِزْقًا وَاسِعًا طَيِّبًا مِنْ رِزْقِكَ.”.
- “يَا اللهُ، يَا مُسَهِّلَ كُلِّ أَمْرٍ عَسِيرٍ، وَيَا مَنْ تُلِينُ الْحَدِيدَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُخْرِجَنِي مِنَ الضِّيقِ وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ الْفَرَجِ، يَا وَاسِعَ الْكَرَمِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.”.
- “يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، أَنْ تَكُونَ عَوْنِي وَمُعِينًا لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي أَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَحْدَكَ، يَا مُجِيبَ السَّائِلِينَ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِزْقِي فِي السَّمَاءِ فَأَنْزِلْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَأَخْرِجْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَرِّبْهُ، وَإِنْ كَانَ عَسِيرًا فَيَسِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً فَكَثِّرْهُ، وَبَارِكْ لِي فِيهِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية المخصوصة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيرَي الدنيا والآخرة بأي صيغة لا تحتوي على محظور شرعي، ومع ذلك، فإن الأدعية المأثورة من القرآن والسنة هي الأفضل والأكمل، لأنها من كلام الله أو من كلام رسوله الذي أوتي جوامع الكلم، وهي أرجى للقبول والإجابة.
شروط وآداب الدعاء ليكون أرجى للقبول
لكي يكون الدعاء أقرب للإجابة، ينبغي للمسلم أن يراعي مجموعة من الشروط والآداب التي دلت عليها النصوص الشرعية، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصاً لوجه الله، لا يقصد به رياءً ولا سمعة.
- أكل الحلال: الحرص على أن يكون مطعم الداعي ومشربه وملبسه من مصدر حلال، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
- الثقة بالله واليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، مع حسن الظن بالله تعالى.
- حضور القلب والخشوع: استحضار عظمة الله عند الدعاء، والابتعاد عن كل ما يشتت الذهن.
- البدء بحمد الله والثناء عليه: أن يبدأ دعاءه بتمجيد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختم بذلك أيضاً.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم استعجال الإجابة، فالله يحب العبد اللحوح في دعائه.
- رفع اليدين واستقبال القبلة: فهما من آداب الدعاء التي تدل على التضرع والافتقار إلى الله.
- التوبة ورد المظالم: الإقبال على الله بقلب تائب نادم، مع الحرص على أداء الحقوق لأصحابها.
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
هناك أوقات وأحوال فاضلة تكون مظنة إجابة الدعاء، ويستحب للمسلم تحريها واغتنامها، ومنها:
- الثلث الأخير من الليل: وقت النزول الإلهي، وهو من أعظم أوقات الدعاء والمناجاة.
- عند السجود في الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”.
- بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يُرد بإذن الله.
- آخر ساعة من يوم الجمعة: وهي ساعة إجابة، أرجح الأقوال أنها قبل غروب الشمس.
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة تُفتح فيه أبواب السماء.
- يوم عرفة: فخير الدعاء دعاء يوم عرفة.
- في شهر رمضان: خاصة عند الإفطار وفي ليلة القدر.
- دبر الصلوات المكتوبة: أي بعد الانتهاء من الصلاة المفروضة.
المصادر والمراجع
- سورة طه، الآيات 25-28.
- صحيح ابن حبان، حديث رقم 974، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2713، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يجب الالتزام بنص الأدعية الواردة في القرآن والسنة؟
الالتزام بنص الأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل، لأنها جامعة للمعاني ومباركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما يناسب حاجته وبصيغته الخاصة، بشرط ألا يكون في دعائه اعتداء أو إثم.
ما هو أفضل دعاء لتيسير الأمور؟
لا يوجد دعاء واحد “هو الأفضل” بشكل مطلق، فالأفضلية تعود لحال الداعي وإخلاصه، ولكن، الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء نبي الله موسى “رب اشرح لي صدري…” ودعاء “اللهم لا سهل…”، هي من أفضل ما يُدعى به لتيسير الأمور.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز الدعاء بصيغ عامة من إنشاء الشخص ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة، لكن يبقى فضل الأدعية النبوية والقرآنية أعظم وأولى بالاتباع، لأنها أبعد عن الخطأ وأقرب للإصابة في المعنى والمبنى.

