الاستغفار من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، فهو مفتاح للرحمة، وسبب لمغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، وسعة الرزق، وقد حثّ الله تعالى عباده على لزوم الاستغفار في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يُكثر من الاستغفار في يومه وليلته، تعليمًا لأمته وإرشادًا لها إلى هذا الباب العظيم من أبواب الخير.
فضل الاستغفار في القرآن والسنة النبوية
يُعَدُّ الاستغفار من العبادات الجليلة التي ورد في فضلها نصوص صريحة من الكتاب والسنة، فهي تُبرز مكانته وأثره البالغ في صلاح دنيا العبد وآخرته، فيما يلي نستعرض بعض الأدلة الشرعية الموثوقة:
أدلة من القرآن الكريم:
- قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)” [نوح: 10-12]
.
- وقال سبحانه:
“وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الأنفال: 33]
.
أحاديث نبوية شريفة في فضل الاستغفار:
وردت في السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تبين فضل المداومة على الاستغفار، ومن أصح ما ورد في ذلك:
- سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ: عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، قال: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306).
- كثرة استغفار النبي ﷺ: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
“واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6307).
- دعاء كفارة المجلس: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ: سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ.”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3433، وقال: حديث حسن صحيح).
- مغفرة الذنوب وإن عظمت: عن زيد مولى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه سمع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
“من قال: أستغفِرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليهِ، غُفِرَ لهُ وإن كان فرَّ من الزَّحفِ.”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1517، وصححه الألباني).
- دعاء عظيم في الصلاة: عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال:
“قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 834).
- تنبيه حول حديث “من لزم الاستغفار”: يُتداول حديث “مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعل اللهُ له من كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا…”، وهو حديث ضعيف سنداً، ولكن معناه صحيح وتدل عليه الآيات القرآنية كآية سورة نوح، فالاستغفار من أسباب تفريج الكروب وسعة الرزق بلا شك.
صيغ مزخرفة شائعة لعبارة “أستغفر الله”
ينشر بعض المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي صيغًا مزخرفة للاستغفار بهدف التذكير وجذب الانتباه، وفيما يلي بعض الأمثلة المتداولة:
- آسـّﭥﻏڤـړ آلْـلْـھ – اٌسُتْغَفّرُ اٌلِـلِـهٌ – ٱسﭤڠـﭰږ ٱڵـڵـھ – ﺂ̲ﺳ̲ﺗ̲غﻓ̲ږ ﺂ̲ﻟ̲ﻟ̲ﮬ̲̌ﮧ..
- ﺂ̣̥̐ﺳ̶ﭠ̯ﻏﻓرَ ﺂ̣̥̐ﻟ̣̣ﻟ̣̣ﮧ – ٱﺳ̭͠ٺﻏ̣̐ﻓ̲̣̐ڔ ٱڷڷﮪ – آسُتْغّفْرَ آلَلَﮩ – ﺂ̣̥̐ﺳ̶تٌﻏ̣̐فّـرّ ﺂ̣̥̐ﻟ̣̣ﻟ̣̣ﮪ – آسْتْغْفْرْ آلْلْﮬ̲̣̐..
- آسـّﭥﻏڤـړ آلْـلْـھ آلْـﻋظـﭜﻤ – اسـﭠﻏ̣̐ﭬژ اﻟﻟھَہّ اﻟﻋظﯾﻣ̝̚ – ٱسﭤڠـﭰږ ٱڵـڵـھ ٱڵـعـظﯾ̃م..
- اٍّسًّتُّغٌّفّْرًّ اٍّلَّلَّهّْ اٍّلَّعَّظُيٌّمُّ – آسْتْغْفْرْ آلْلْﮬ̲̣̐ آلْعْظْيْمْ – اَسَتَغَفَرَ اَلَلَهَ اَلَعَظَيَمَ..
- ﺂ̲ﺳ̲ﺗ̲غﻓ̲ږ ﺂ̲ﻟ̲ﻟ̲ﮬ̲̌ﮧ ﺂ̲ﻟ̲ﻋظيےﻣ̲ – ٱﺳ̭͠ٺﻏ̣̐ﻓ̲̣̐ڔ ٱڷڷﮪ ٱڷﻋ̝̚ڟېﻣ̝̚ – ﺂ̣̥̐ﺳ̶تٌﻏ̣̐فّـرّ ﺂ̣̥̐ﻟ̣̣ﻟ̣̣ﮪ ﺂ̣̥̐ﻟ̣̣ﻋ̝̚ظَّېﻣ̝̚..
- آسـّﭥﻏڤـړ آلْـلْـھ آلْـﻋظـﭜﻤ ۈ أﭥۈﭔ إلْـﭜھ – اسـﭠﻏ̣̐ﭬژ اﻟﻟھَہّ اﻟﻋظﯾﻣ̝̚ ۆ أﭠۆﺑ إﻟﯾھَہّ..
- اٌسُتْغَفّرُ اٌلِـلِـهٌ اٌلِـعٍظَيٌـمِـ وِ أتْوِبّـ إلِـيٌـهٌ – ٱسﭤڠـﭰږ ٱڵـڵـھ ٱڵـعـظﯾ̃مـ ۅ أﭤۅﭜ إڵـﯾ̃ھ..
تنبيه هام وحكم استخدام الصيغ المزخرفة: هذه الصيغ المزخرفة هي مجرد أشكال كتابية، ولم تثبت بهذه الهيئة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، العبادة توقيفية، والأصل فيها الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، الأهم في الذكر هو حضور القلب وصدق النية، لا شكل الكلمات وزخرفتها، وإن كان الهدف هو التذكير، فالأولى كتابة الذكر بشكله الصحيح والواضح تعظيمًا لشعائر الله.
أدعية عامة للاستغفار والتوبة
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ الدعاء التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في معناها ما يخالف الشرع، ومن الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها لطلب المغفرة والتوبة:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ.
- رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
- اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَاغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ.
- اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
- أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
المصادر والمراجع
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- سورة الأنفال، الآية 33.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306 (سيد الاستغفار)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6307 (كثرة استغفار النبي)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3433 (كفارة المجلس)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1517 (مغفرة الذنوب)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 834 (دعاء في الصلاة)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول الاستغفار
ما هو أفضل وقت للاستغفار؟
الاستغفار مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُستحب فيها الإكثار منه وتكون أرجى للقبول، ومنها: وقت السحر (الثلث الأخير من الليل)، وبعد الصلوات المكتوبة، وفي ختام المجالس، وعند وقوع الذنب مباشرة.
ما هي أفضل صيغة للاستغفار؟
أفضل صيغة وأكملها هي “سيد الاستغفار” للحديث الوارد في صحيح البخاري، لما اشتمل عليه من معاني التوحيد والعبودية والاعتراف بالنعمة والذنب، كما أن صيغة “أستغفر الله وأتوب إليه” وصيغة “رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم” من الصيغ الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هل يجوز استخدام الصيغ المزخرفة للاستغفار؟
الأصل في الذكر والدعاء هو التوقير والتعظيم، استخدام الزخارف قد يُشغل عن المعنى المقصود وهو الخشوع وحضور القلب، والأولى والأفضل هو كتابة الذكر بخط واضح وسليم، والتركيز على النطق به بصدق وإخلاص، فهذا هو جوهر العبادة.

