يُعد شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور منزلةً في الإسلام، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتُضاعف فيه الأجور، وتُفتح أبواب الجنان، فيه أُنزل القرآن الكريم هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، مما يجعله فرصة استثنائية للمسلم للتقرب إلى الله تعالى، وتزكية النفس، والإكثار من الطاعات والعبادات.
فضل شهر رمضان وعظيم مكانته
تتجلى عظمة شهر رمضان في فضائل عديدة وردت في السنة النبوية الشريفة، والتي تحث المسلم على استغلال كل لحظة فيه، ومن الأحاديث التي تبين مكانة هذا الشهر ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ.”
المصدر: سنن الترمذي (682)، وسنن ابن ماجه (1642)، درجة الحديث: حسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (759).
يُبرز هذا الحديث الشريف الفضل العظيم لشهر رمضان، ويؤكد على أنه موسم استثنائي للطاعة، حيث تُهيأ الأجواء الإيمانية للمسلم بالإقبال على الخير والابتعاد عن الشر، وتتجلى فيه رحمة الله الواسعة بعباده من خلال العتق من النار في كل ليلة.
فالصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو عبادة شاملة تهذب النفس وتزكيها، وتقوي صلة العبد بربه، وتدفعه للسعي نحو مرضاته واجتناب ما يغضبه، لذا، ينبغي على المسلم أن يغتنم هذه الأيام المباركة بالإكثار من العبادات والأعمال الصالحة.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة يُستحب الإكثار منها في رمضان
باب الدعاء في رمضان واسع، والأفضل للمسلم أن يدعو بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]. . 
- دعاء طلب العفو والمغفرة (خاصة في العشر الأواخر): عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال:
 “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”. المصدر: سنن الترمذي (3513)، درجة الحديث: حديث صحيح. 
- أدعية قرآنية أخرى:
 “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8]. “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” [إبراهيم: 40]. . 
صيغ دعاء شائعة تُنسب لكل يوم من العشر الأوائل
ينتشر بين بعض الناس تخصيص أدعية معينة لكل يوم من أيام رمضان، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه الصيغ المتداولة للعشر الأوائل:










حكم تخصيص دعاء معين لكل يوم من رمضان
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
تخصيص دعاء معين لكل يوم من رمضان واعتقاد أن له فضلاً خاصاً بذلك اليوم يُعد من الأمور المحدثة التي لا أصل لها في الشرع، والأولى للمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة المأثورة، أو يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص صيغة معينة بيوم محدد.
كيفية الاستعداد لاستقبال شهر رمضان
الاستعداد لرمضان ليس مجرد استعداد مادي، بل هو تهيئة روحية ونفسية لاستقبال هذا الضيف الكريم، ومن أهم وسائل الاستعداد:
- وضع جدول منظم للعبادات: يساعد التخطيط المسبق للعبادات (مثل قراءة القرآن، والصلوات، والذكر) على الالتزام وزيادة الإنتاجية الروحية في هذا الشهر الذي يتضاعف فيه الأجر.
- خطة لقراءة القرآن الكريم: وضع هدف واضح لختم القرآن الكريم مرة أو أكثر، مع الحرص على التدبر والتأمل في معانيه، فهو سبيل الهداية والسكينة.
- التخطيط للصدقة والإنفاق: يُستحب الإكثار من الصدقة في رمضان، التخطيط المسبق لذلك، سواء بإخراج الزكاة أو التصدق، يعظم الأجر ويُدخل السرور على المحتاجين.
- تعزيز الروابط الأسرية: رمضان فرصة لتقوية العلاقات الأسرية من خلال الاجتماع على طاعة الله، مثل الإفطار الجماعي، وصلاة التراويح، مما يخلق أجواء إيمانية دافئة.
- متابعة المحتوى الديني النافع: استثمار الوقت في متابعة البرامج والمحاضرات الدينية الموثوقة التي تزيد من الوعي الديني وتعين على فهم أمور الدين بشكل صحيح.
التحضيرات النفسية لشهر رمضان
الاستعداد النفسي لا يقل أهمية عن الاستعداد العملي، فهو الأساس الذي تُبنى عليه الطاعات، ومن أهم جوانبه:
التوبة النصوح
تُعد التوبة الصادقة أولى خطوات الاستعداد، حيث تُطهر القلب وتُهيئه لاستقبال نفحات رمضان، الإقبال على الله بقلب منكسر وطلب المغفرة يفتح صفحة جديدة مع الله، خالية من الذنوب التي قد تحول بين العبد وتوفيقه للطاعة.
إخلاص النية
النية هي أساس قبول الأعمال، يجب على المسلم أن يُخلص نيته لله تعالى في صيامه وقيامه وسائر أعماله، وأن يكون هدفه الوحيد هو ابتغاء مرضاة الله ونيل ثوابه، لا رياءً ولا سمعة.
العزم على المداومة
ينبغي أن يكون رمضان نقطة انطلاق نحو التغيير الإيجابي المستمر، وليس مجرد طاعة موسمية، العزم على المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان هو علامة على قبول العمل بإذن الله.
حسن استثمار الوقت
وقت رمضان ثمين جداً، استثماره بفعالية في الذكر وقراءة القرآن والدعاء والتفكر، والابتعاد عن الملهيات ومضيعات الأوقات، هو مفتاح الفوز في هذا الشهر المبارك.
المواظبة على الدعاء
الدعاء هو العبادة، وهو سلاح المؤمن، ينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين، وأن يسأل الله التوفيق والهداية والثبات على طاعته، خاصة في أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل وعند الإفطار.
الفرح بقدوم الشهر الكريم
استقبال رمضان بالفرح والسرور هو من تعظيم شعائر الله، وهو دافع نفسي قوي يزيد من الحماس والعزيمة على اغتنام فضائله وأوقاته المباركة في طاعة الله والعمل الصالح.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة إبراهيم، الآية 40.
- حديث “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 682، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إنك عفو تحب العفو…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3513، على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل الأدعية المخصصة لكل يوم من رمضان صحيحة؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة تخصيص دعاء معين لكل يوم من أيام رمضان، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، أو بما يفتح الله به على العبد من الأدعية الطيبة.
ما هو أفضل دعاء يمكن قوله في رمضان؟
من أفضل الأدعية وأجمعها دعاء: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، وفي العشر الأواخر، يُستحب الإكثار من قول: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي غير مأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في الدعاء اعتداء أو إثم أو قطيعة رحم، وألا يعتقد أن هذه الصيغة لها فضل خاص أو أنها من السنة.
