الدعاء هو جوهر العبادة ووسيلة المسلم للتقرب إلى الله تعالى، والاعتماد عليه في كل شؤون حياته، إنه إقرارٌ بضعف العبد أمام عظمة الخالق، وتوكلٌ تام عليه في السراء والضراء، وللدعاء فضائل عظيمة، فهو من أسباب مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، وجلب البركة والخير في الدنيا والآخرة، إن اللجوء إلى الله بالدعاء الصادق من أعظم القربات التي قد يغير الله بها الأحوال إلى أفضلها.
أساس التحصين في القرآن والسنة النبوية
حثّ الإسلام على المداومة على ذكر الله تعالى في كل حال، فالأذكار والأدعية الشرعية هي الحصن الحصين للمسلم من كل سوء قد يواجهه، وهي سبب لوضعه في رعاية الله وحفظه، وتتركز وسائل التحصين الشرعية على ما ورد في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة لحفظ النفس والأهل والبيت.
ومن أعظم ما ورد في هذا الباب تلاوة آيات من القرآن الكريم والمداومة على الأذكار النبوية الثابتة، فهي الدرع الواقي من شرور الإنس والجن، ومن أضرار الحسد والعين والسحر.
أدعية وآيات قرآنية صحيحة لتحصين النفس والبيت
لتحصين النفس والأهل والمنزل، يُستحب للمسلم أن يلتزم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي وأكمله، ومن ذلك:
1، قراءة سورة البقرة في البيت
تعد المداومة على قراءة سورة البقرة من أقوى أسباب طرد الشياطين وتحصين البيت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 780).
وجاء في فضلها أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:
“اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ”، (والبطلة: هم السحرة).
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 804).
2، قراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة
آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، ولها فضل عظيم في الحفظ، من قرأها عند نومه لم يزل عليه من الله حافظ حتى يصبح، كما أن قراءة آخر آيتين من سورة البقرة في ليلة تكفي قارئها من كل سوء.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ…” إلى آخر السورة.
(المصدر: سورة البقرة، الآيتان 285-286).
3، أذكار الصباح والمساء
من أهم أسباب التحصين اليومي المداومة على أذكار الصباح والمساء، ومنها:
- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين (الفلق والناس) ثلاث مرات صباحًا ومساءً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ، كَفَتْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ”، (المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح)..
- قول:
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”، (ثلاث مرات).
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح)..
- قول:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”، (ثلاث مرات مساءً).
(المصدر: صحيح مسلم)..
4، دعاء تحصين الأولاد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”.
(المصدر: صحيح البخاري).
أدعية عامة منتشرة للتحصين
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية للتحصين، وهي تحمل معاني طيبة، ويمكن الدعاء بها على وجه العموم، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَا أَنْ تَصُونَنَا وَعَائِلَاتِنَا وَأَحْبَابَنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي حِمَايَتِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَاحْفَظْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ”.
- “تَحَصَّنْتُ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَنَزَغَاتِهِمْ، وَمِنْ تَزْيِينِهِمْ وَتَحْزِينِهِمْ، تَحَصَّنْتُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ إِبْلِيسَ وَأَعْوَانِهِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ يَطْرُقُ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ”.
- “اللَّهُمَّ احْرُسْ أَوْلَادَنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَارْزُقْهُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَاجْعَلْهُمْ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ النَّافِعِينَ، وَوَفِّقْهُمْ لِسَعْيٍ مُبَارَكٍ وَعَيْشٍ كَرِيمٍ”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية المحددة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من أدعية تحمل معاني صحيحة، شريطة ألا ينسبها إلى الشرع أو يعتقد لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.
الرقية الشرعية وخطواتها لتحصين المنزل
الرقية الشرعية وسيلة علاجية وتحصينية مشروعة، ولكي تكون صحيحة ومقبولة، يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
- أن تكون بكلام الله تعالى (القرآن الكريم) أو بأسمائه وصفاته.
- أن تكون باللغة العربية، أو بما يُعرف معناه من غيرها.
- أن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل الشافي هو الله تعالى وحده.
ومن أهم ما يُقرأ في الرقية الشرعية لتحصين المنزل والنفس:
- سورة الفاتحة: فهي الشافية والكافية.
- آية الكرسي: (اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ…).
- آخر آيتين من سورة البقرة..
- سورة الإخلاص والمعوذتان (الفلق والناس): وتكرر ثلاث مرات.
يمكن للشخص أن يرقي نفسه وأهله بقراءة هذه الآيات والسور مع النفث على الجسد أو في اليدين ومسح ما استطاع من الجسد، أو قراءتها على ماء ورش زوايا المنزل (ما عدا الأماكن غير الطاهرة كالحمامات) بنية التحصين وطرد الشياطين.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 285-286.
- صحيح مسلم، حديث رقم 780، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 804، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 3371، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3388 و 3575، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت لأدعية التحصين؟
أفضل وقت للمداومة على أذكار التحصين هو بعد صلاة الفجر (أذكار الصباح) وبعد صلاة العصر (أذكار المساء)، فهذه الأوقات هي التي وردت في السنة النبوية.
هل يجب قراءة سورة البقرة كاملة في جلسة واحدة لتحصين البيت؟
الأفضل قراءتها كاملة، ولكن إن شق ذلك، فيمكن تقسيمها على مدار اليوم أو على عدة أيام، المهم هو أن تُقرأ في البيت بشكل دوري (كل ثلاثة أيام مثلاً) لتحصيل البركة وطرد الشياطين كما ورد في الحديث.
ما الفرق بين الأدعية الثابتة والأدعية العامة؟
الأدعية الثابتة هي التي وردت بنصها في القرآن أو السنة الصحيحة، ولها فضل خاص وزمان أو مكان محدد أحيانًا، أما الأدعية العامة، فهي التي ينشئها المسلم من عند نفسه بمعانٍ صحيحة، وهي جائزة ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء أو تُنسب إلى الشرع.

