يُعَدُّ التركيز الذهني أثناء المذاكرة عاملاً محورياً لتحصيل العلم بفعالية، فقراءة الصفحات دون استيعاب حقيقي لا تحقق النتائج المرجوة، لذلك، ينبغي للطالب أن يقرأ كل كلمة بتمعُّن، مع استحضار نية الفهم والإدراك العميق، ومن أعظم الوسائل التي تُهيئ الذهن وتُعين على التركيز، التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، فهو يمنح النفس الطمأنينة والسكينة، ويهيئ العقل لاستقبال المعلومات وحفظها.

أدعية قرآنية ونبوية للمذاكرة وتيسير الأمور

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لكل خير ومباركة وكافية، ومن هذه الأدعية الصحيحة التي تناسب طالب العلم:

• دعاء نبي الله موسى عليه السلام: وهو من أنفع الأدعية لطلب تيسير الأمور وشرح الصدر، وقد ورد في القرآن الكريم.
  

  “قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)” [سورة طه: 25-28]

  .

• دعاء طلب العلم النافع: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله علماً نافعاً كل صباح.
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا”

  (المصدر: سنن ابن ماجه، حديث حسن).

• الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [سورة البقرة: 201]

  .

صيغ شائعة للدعاء تُنسب للمذاكرة والحفظ

تنتشر بين الطلاب بعض صيغ الأدعية التي لم ترد في مصادر التشريع الموثوقة، ولكنها تحتوي على معانٍ طيبة في طلب التوفيق والفهم، يمكن الدعاء بمعناها العام دون نسبتها إلى السنة النبوية أو اعتقاد فضل خاص بها، ومن أمثلتها:

• “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَهْمَ النَّبِيِّينَ، وَحِفْظَ الْمُرْسَلِينَ، وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَلْسِنَتَنَا عَامِرَةً بِذِكْرِكَ، وَقُلُوبَنَا بِخَشْيَتِكَ، وَأَسْرَارَنَا بِطَاعَتِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.”.
• “اللَّهُمَّ أَخْرِجْنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْوَهْمِ، وَأَكْرِمْنِي بِنُورِ الْفَهْمِ، وَافْتَحْ عَلَيَّ بِمَعْرِفَةِ الْعِلْمِ، وَحَسِّنْ أَخْلَاقِي بِالْحِلْمِ، وَسَهِّلْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ، وَانْشُرْ عَلَيَّ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ مَا قَرَأْتُ وَمَا حَفِظْتُ وَمَا تَعَلَّمْتُ، فَرُدَّهُ إِلَيَّ عِنْدَ حَاجَتِي إِلَيْهِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.”.

حكم الأدعية المنتشرة للمذاكرة وهل هي ثابتة؟

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، يجوز الدعاء بمعانيها الطيبة دون نسبتها إلى الشرع أو اعتقاد أن لها فضيلة خاصة.

فضل الدعاء وأثره في طلب العلم

للدعاء فضل عظيم وأثر كبير في حياة المسلم، خاصة عند طلب العلم، فهو يعزز صلته بربه ويُذكِّره بحاجته المطلقة إليه، وتتجلّى أهميته في النقاط التالية:

• تحقيق التوكل على الله: الدعاء قبل المذاكرة هو تطبيق عملي للتوكل على الله، وإقرار بأن التوفيق والفهم بيده وحده سبحانه.
• عبادة وطاعة لله: الدعاء بحد ذاته عبادة عظيمة، يستجيب بها المسلم لأمر الله تعالى:
  

  “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [سورة غافر: 60]

  .

• جلب الطمأنينة والسكينة: اللجوء إلى الله يزيل القلق والتوتر، ويمنح الطالب راحة نفسية تساعده على التركيز والاستيعاب.
• سبب للاستجابة: وعد الله عباده بإجابة دعائهم، مما يمنح المسلم يقيناً بأن الله يسمعه ولن يخيّب رجاءه.
  

  “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” [سورة البقرة: 186]

  .

فضل السعي في طلب العلم

لطلب العلم مكانة سامية في الإسلام، فهو من أعظم القربات وسبيل لرفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:

“…إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ…” [سورة فاطر: 28]

، وهو أيضاً من الأعمال التي يستمر أجرها بعد الممات، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم:

“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”

(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1631)

أوقات يُرجى فيها استجابة الدعاء

يمكن للمسلم أن يدعو في أي وقت، فباب الدعاء مفتوح دائماً، إلا أن هناك أوقاتاً وأحوالاً ورد في السنة النبوية أنها من مواطن إجابة الدعاء، ويحسن بطالب العلم تحرّيها:

• أثناء السجود: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”

  (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 482).

• بين الأذان والإقامة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ”

  (المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح).

• في الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، ويقول:
  

  “مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”

  (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1145).

• آخر ساعة من يوم الجمعة: فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه.(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 935).

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء للمذاكرة والتركيز؟

أفضل الأدعية هي ما ثبت في القرآن والسنة، مثل دعاء نبي الله موسى “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي…”، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا…”، هذه الأدعية مباركة وجامعة للخير.

هل دعاء “اللهم إني أسألك فهم النبيين” صحيح؟

هذا الدعاء لم يثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الصيغ المنتشرة بين الناس، يجوز الدعاء بمعناه الطيب دون اعتقاد أنه من السنة أو أن له فضلاً خاصاً، والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة الصحيحة.

ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟

البديل الصحيح هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، يمكن للمسلم أيضاً أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب يناسب حاجته، كأن يقول: “اللهم فهّمني، اللهم يسّر لي حفظي، اللهم بارك لي في وقتي وعلمي”.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر