في رحلة الحياة، تعتري الإنسان لحظات يشعر فيها بالحاجة الماسة إلى سند وقوة تعينه على مواجهة التحديات، ولا ملجأ للمؤمن في هذه الأوقات إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فالدعاء هو صلة العبد بربه، نرفع فيه أكفَّ الضراعة بقلوب خاشعة، نناجيه ونستغفره ونسأله من واسع فضله، موقنين بقدرته المطلقة.
إن الله جلَّ في علاه هو القادر على كل شيء، إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، وعندما نبتهل إليه بالدعاء، فإننا نثق بأن الخير قادم لا محالة، فقد يعجّل الله بالإجابة، أو يدّخرها لعبده لحكمة يعلمها، أو يصرف عنه بها سوءًا، والأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لطلب العون وتفريج الكروب
إن خير ما يدعو به المسلم هو ما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فهذه الأدعية جامعة للخير، ومباركة، وهي قمة البلاغة والبيان، إليك بعضًا من هذه الأدعية الموثوقة:
- دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت (دعاء الكرب):
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له.” (حديث صحيح، رواه الترمذي)
.
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند الشدة:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.” (حديث حسن، رواه أبو داود)
.
- من جوامع الدعاء لخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.” [البقرة: 201]
.
- دعاء طلب التيسير وشرح الصدر:
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي.” [طه: 25-28]
.
- دعاء التوكل والاستعانة بالله:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.” (حديث حسن، رواه النسائي في السنن الكبرى)
.
أمثلة على صيغ وأدعية عامة منتشرة
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي لم ترد بنصها في الكتاب أو السنة، ولكنها تحمل معانٍ طيبة، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، شريطة ألا يعتقد أنها سنة مأثورة أو أن لها فضلًا خاصًا.
- “اللَّهُمَّ يَا مُسَهِّلَ الشَّدِيدِ، وَيَا مُلَيِّنَ الْحَدِيدِ، وَيَا مُنْجِزَ الْوَعِيدِ، وَيَا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي أَمْرٍ جَدِيدٍ، أَخْرِجْنِي مِنْ حَلَقِ الضِّيقِ إِلَى أَوْسَعِ الطَّرِيقِ، بِكَ أَدْفَعُ مَا لَا أُطِيقُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.”.
- “يَا رَبِّ، كُنْ لِي عَوْنًا وَلَا تَكُنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ، فكن لِي وَلِيًّا وَنَصِيرًا، وَدَبِّرْ لِي أَمْرِي فَإِنِّي لَا أُحْسِنُ التَّدْبِيرَ.”.
- “يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، قَوِّنِي بِعِزَّتِكَ، وَأَكْرِمْنِي بِكَرَمِكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ حَفِظْتَهُمْ بِرِعَايَتِكَ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ يَوْمِي هَذَا، فَاجْعَلْهُ خَيْرًا مِمَّا أَظُنُّ، وَاكْفِنِي شَرَّ مَا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْمًا، بِسْمِ اللهِ عَلَى نَفْسِي وَدِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي.”.
- “يَا مَنْ أَمْرُهُ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ، وَيَا أَرْحَمَ مِنْ كُلِّ رَحِيمٍ، اجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةً.”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة في القسم السابق هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، والدعاء بصيغ عامة جائز ما لم تتضمن محذورًا شرعيًا، ولكن لا يجوز نسبتها إلى الشرع أو اعتقاد فضل خاص لها.
ما حكم الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
أجمع أهل العلم على جواز أن يدعو المسلم بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وأن ينشئ أدعية من عنده بأسلوبه الخاص، بشرطين أساسيين:
- ألا يحتوي الدعاء على إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء: كالدعاء على أحد بالشر دون وجه حق.
- ألا يعتقد أن هذه الصيغة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أو أن لها فضلًا خاصًا أو عددًا معينًا لم يرد به دليل شرعي.
فالأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي الأسلم والأعظم بركة، وإن دعا المسلم بغيرها، فليكن ذلك على سبيل المناجاة العامة لله تعالى دون تقييدها بوقت أو كيفية معينة لم ترد في الشرع.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة طه، الآيات 25-28.
- حديث “دعوة ذي النون”: سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم رحمتك أرجو”: سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا حي يا قيوم”: السنن الكبرى للنسائي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء وطلب العون؟
يستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات وأحوال تكون فيها الإجابة أرجى، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
هل يجوز الدعاء باللغة العامية أو بغير العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها وبما يجول في خاطره، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور ويسمع كل اللغات، ولكن الدعاء باللغة العربية، وخاصة بالأدعية المأثورة، هو الأفضل والأكمل.
ما الفرق بين الدعاء المأثور والدعاء العام؟
الدعاء المأثور: هو ما ورد نصه في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، وهو الأفضل والأعظم أجرًا وبركة، الدعاء العام: هو ما ينشئه المسلم من عند نفسه بأسلوبه الخاص لمناجاة ربه وطلب حاجاته، وهو جائز ومشروع ما لم يخالف الشروط المذكورة أعلاه.

