الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا وفضلنا على كثير ممن خلق

يمر الإنسان في حياته بتقلبات وأحوال متنوعة، بين أوقات السعادة والرخاء، ولحظات الابتلاء والمحن، فقد يواجه المرء مرضًا، أو فقدًا لشخص عزيز، أو خسارةً مادية، وهي أقدار تترك في النفس أثرًا عميقًا من الحزن والاضطراب، وفي هذه اللحظات، يجد المؤمن الحق ملاذه في القرب من الله تعالى، متسلحًا بالصبر والدعاء، ومستشعرًا قيمة نعمة العافية التي قد يغفل عنها في أوقات الرخاء، إن حمد الله وشكره على السلامة من البلايا ليس فقط عبادة عظيمة، بل هو سبيل لدوام النعم وحفظها.

دعاء رؤية شخص مبتلى: “الحمد لله الذي عافاني”

من الهدي النبوي الشريف، أن المسلم إذا رأى شخصًا مبتلىً بمرض أو بأي نوع من أنواع البلاء في دينه أو دنياه، أن يدعو بدعاء específico، حمدًا لله على العافية وسؤالًا له أن يحفظه من مثل هذا البلاء، هذا الدعاء هو من أعظم صور الشكر العملي الذي يرسخ في القلب قيمة نعم الله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ”.

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3432، درجة الحديث: حديث حسن.

ويُستحب أن يقول هذا الدعاء سرًا بينه وبين نفسه، مراعاةً لمشاعر الشخص المبتلى، إلا إذا كان البلاء معصية ظاهرة (كمن يجاهر بالفسق)، فيجوز الجهر به لردعه وزجره إن لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر.

أدعية قرآنية ونبوية في طلب العافية ودفع البلاء

القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما المصدران الأساسيان للأدعية المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الصحيحة التي يُلجأ بها إلى الله لطلب العافية والنجاة من الكروب ما يلي:

  • دعاء نبي الله أيوب عليه السلام عند اشتداد البلاء:

    “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83].

    .

  • دعاء الاستعاذة من شدة البلاء:كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من شدائد الأمور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من:

    “جَهْدِ الْبَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ الْقَضَاءِ، وشَماتَةِ الأَعْدَاءِ”.

    المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6347.

  • دعاء الكرب:عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:

    “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.

    المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346.

نص دعاء الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا مكتوب بالتشكيل

صيغ وأدعية شائعة في الشكر وطلب العافية

يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي تحمل معاني طيبة في حمد الله وشكره على نعمه، وهي وإن لم ترد بنصها في السنة، إلا أن معناها صحيح ويمكن الدعاء بها على وجه العموم، ومن هذه الصيغ:

  • “الحمد لله الذي عافانا من المرض، اللهم اجعلنا من الراضين بقضائك، والواثقين بحكمتك، والمستسلمين لقدرك، وأحِطنا بعنايتك واحفظنا بحفظك وتولّنا برحمتك”.
  • “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا”.
  • “الحمد لله الذي أبعد عنّا الحقد والحسد وسوء القلوب، الحمد لله الذي ميزنا بنعمة العقل والإدراك على كثير من خلقه”.
  • “يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، فرّج همومنا، ويسّر أمورنا، وارحم ضعفنا، وقلّة حيلتنا، وارزقنا من حيث لا نحتسب”.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس لما فيها من معانٍ حسنة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله.

مكانة الصبر وأجر المحتسبين عند الابتلاء

الابتلاء سنة إلهية لاختبار إيمان العبد وصبره، والمؤمن الحق هو من يقابل أقدار الله المؤلمة بالصبر والاحتساب، مدركًا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن لله حكمة بالغة في كل قضاء، وقد وعد الله الصابرين أجرًا عظيمًا ومكانة رفيعة.

  • أجر بغير حساب: يكافئ الله الصابرين أجرهم دون حدود، قال تعالى:

    “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” [الزمر: 10].

    .

  • معيّة الله الخاصة: يحظى الصابرون بمعية الله التي تقتضي النصرة والتأييد، قال تعالى:

    “وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [الأنفال: 46].

    .

  • محبة الله: الصبر من أعظم أسباب نيل محبة الله تعالى، قال عز وجل:

    “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” [آل عمران: 146].

    .

  • البشارة والرحمة والهداية: خص الله الصابرين ببشارات عظيمة، فقال:

    “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” [البقرة: 155-157].

    .

فمن ابتُلي بمحنة فليصبر وليحتسب، ومن عُوفي فليحمد الله على نعمته، وليعلم أن شكر النعم سبب في دوامها وزيادتها.

فضل حمد الله على العافية وشكره على النعم

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو الدعاء الصحيح الذي يقال عند رؤية شخص مبتلى؟

الدعاء الصحيح الوارد في السنة النبوية هو: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا”، وهو حديث حسن رواه الترمذي.

ما هو فضل قول دعاء “الحمد لله الذي عافاني”؟

فضل هذا الدعاء كما ورد في الحديث الشريف أن من قاله عند رؤية شخص مبتلى، فإن الله يعافيه ويحفظه من أن يصيبه ذلك البلاء.

هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في القرآن أو السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ وأدعية، بشرط ألا تحتوي على محظور شرعي أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة، لأنها من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات