إن من أعظم النعم التي يمنُّ الله بها على عباده هي نعمة الهداية إلى حمده وشكره، فالعبد الموفَّق هو الذي يرى نعم الله عليه في كل حال، ويدرك أنه مغمور بفيض من فضل الله وكرمه الذي لا يُعد ولا يُحصى، وقد أمرنا الله تعالى بشكره ووعد الشاكرين بالمزيد، فقال سبحانه:
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7]
والحمد لله من أحب الكلام إلى الله، وهو يملأ الميزان يوم القيامة، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.
أدعية الحمد والشكر الصحيحة من القرآن والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية، ومن الأدعية الصحيحة الثابتة في الحمد والشكر:
- سيد الاستغفار وجامع الحمد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (هذا الدعاء يجمع بين الاعتراف بنعمة الله والإقرار بالذنب، وهو من أعظم صيغ الثناء).
 - دعاء النبي عند النوم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2715، (دعاء يذكر العبد بنعم الطعام والشراب والمأوى قبل نومه).
 - دعاء نبي الله سليمان عليه السلام: وهو دعاء عظيم للشكر على النعم وطلب التوفيق للعمل الصالح.
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”.
المصدر: سورة النمل، الآية 19.
 - من جوامع الحمد:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5458.
 
صيغ شائعة في التعبير عن الحمد والشكر
يتداول الناس بعض الصيغ الأدبية البليغة للتعبير عن شكر الله وحمده، وهي وإن كانت حسنة في معناها، إلا أنه يجب الانتباه إلى أنها لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن للمسلم أن يدعو بها على سبيل الإخبار والثناء العام دون أن ينسبها إلى السنة أو يعتقد لها فضلاً خاصاً، ومن أمثلة ذلك:
- الحمد لله على ما مضى، والحمد لله على ما هو آتٍ، اللهم لك الحمد حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك.
 - الحمد لله على نعمة الصحة التي تملأ أيامنا عافية، والحمد لله على نعمة الستر التي تغمر حياتنا، والحمد لله الذي يسّر لنا الحلال وبارك لنا في الرزق.
 - الحمد لله الذي يرزقنا الخير في كل حين، ويغمر حياتنا بالسعادة والسكينة، الحمد لله الذي شرّفنا بالإسلام ووهبنا رحمته، ونشكره على لطفه الذي حمانا في كل الظروف.
 - اللهم لك الحمد عدد ما نزل من قطرات المطر، وعدد ما جرى من مياه في الأنهار، نحمدك على نعمة العقل والبصيرة، ونحمدك على كل يوم استيقظنا فيه في ستر وعافية.
 
ما حكم هذه الأدعية المنتشرة؟
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، يجوز الدعاء بمعانٍ صحيحة لم ترد بلفظها في السنة، بشرط ألا يُعتقد أن لها فضلاً خاصاً أو أنها من السنة النبوية.
أهمية وفضل ترديد “الحمد لله”
إن ترديد عبارة “الحمد لله” بقلب حاضر من أعظم القربات، وله فضائل جليلة ثبتت في النصوص الشرعية، منها:
- أفضل الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3383 (حديث حسن).
 - تملأ الميزان يوم القيامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 223.
 - سبب لرضا الله عن العبد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2734.
 - زيادة البركة والنعم: كما قال تعالى:
“لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”
، فالحمد والشكر هما مفتاح المزيد من فضل الله وعطائه.
 
المصادر والمراجع
- سورة إبراهيم، الآية 7.
 - سورة النمل، الآية 19.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6306، 5458، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2715، 223، 2734، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن الترمذي، حديث رقم 3383، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لشكر الله على نعمه؟
من أفضل الأدعية وأجمعها ما ورد في السنة الصحيحة، مثل دعاء سيد الاستغفار: “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي…” لأنه يجمع بين الإقرار بنعمة الله والاعتراف بالتقصير، وكذلك الدعاء القرآني: “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ…”.
هل يجوز أن أدعو بصيغ من عندي لشكر الله؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله ويثني عليه بما يفتح الله عليه من كلام طيب وبصيغ حسنة لم ترد في السنة، بشرط ألا تكون هذه الصيغ تحتوي على محذور شرعي، وألا يعتقد أنها سنة متبعة أو أن لها فضلاً خاصاً، ويبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.
ما هو الفرق بين الحمد والشكر؟
الحمد أعم من الشكر، فالحمد يكون على صفات الله الذاتية (مثل الحمد لله على أنه الرحمن الرحيم) وعلى نعمه، أما الشكر فيكون مقابل نعمة معينة، ويكون بالقلب (الاعتراف بالنعمة)، واللسان (الثناء على المنعم)، والجوارح (استخدام النعمة في طاعة الله).
		
