الأبناء نعمةٌ عظيمة وهبةٌ ربانية، وهم زينة الحياة الدنيا التي تُضفي عليها البهجة والمعنى، فبوجودهم يكتمل الشعور بالسعادة وتصبح الحياة أكثر دفئًا ومودة، وإنَّ التوجُّه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء لطلب الذرية الصالحة هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه، وفي هذا المقال نستعرض أهم الأدعية الموثوقة للرزق بالذرية من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع بيان ما صحَّ وما لم يصح في هذا الباب.
أدعية قرآنية موثوقة لطلب الذرية الصالحة
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله تعالى، فقد قصَّ علينا القرآن الكريم أدعية الأنبياء والصالحين حين طلبوا الذرية من ربهم، وهي أدعية جامعة ومباركة:
- دعاء نبي الله زكريا عليه السلام: وهو من أشهر الأدعية لطلب الولد الصالح، حيث دعا به ربَّه وهو في كبر سنه وكانت امرأته عاقرًا، فاستجاب الله له.
“رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”
[سورة آل عمران: 38]
“رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ”
[سورة الأنبياء: 89].
- دعاء عباد الرحمن: وهو دعاء شامل يطلب فيه العبد صلاح الزوجة والذرية، وهو من صفات عباد الله المتقين.
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا”
[سورة الفرقان: 74].
أدعية عامة من السنة النبوية الصحيحة
لم يرد في السنة النبوية دعاء مخصص بلفظه لطلب الذرية، ولكن حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء بجوامع الكلم والأدعية العامة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومنها طلب الولد الصالح، ومن هذه الأدعية الجامعة:
- الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويشمل ببركته طلب الذرية.
“اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(متفق عليه: صحيح البخاري، حديث 6389؛ صحيح مسلم، حديث 2690)، وحسنة الدنيا تشمل الزوجة الصالحة والذرية الطيبة.
- دعاء طلب الخير كله، وهو دعاء عظيم جامع لكل خير يمكن أن يسأله العبد.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ…”
(رواه ابن ماجه، حديث 3846، وصححه الألباني).
صيغ دعاء شائعة يمكن الاستئناس بها
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء بنية طلب الذرية، وهي وإن لم ترد بلفظها في القرآن أو السنة، إلا أنه يجوز الدعاء بها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، ومن هذه الصيغ:
- “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ كَمَا رَزَقْتَ نَبِيَّكَ زَكَرِيَّا، يَا مَنْ وَهَبْتَ لِمَرْيَمَ مِنْ فَضْلِكَ بِغَيْرِ حَوْلٍ مِنْهَا وَلَا قُوَّةٍ، ارْزُقْنِي الْوَلَدَ الصَّالِحَ الَّذِي يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِي وَسَعَادَةَ قَلْبِي، وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِ تَرْبِيَةً تُرضِيكَ عَنِّي.”.
- “رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا.”.
- “يَا كَرِيمُ، يَا رَحِيمُ، يَا وَهَّابُ، هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً تُقِرُّ بِهَا عَيْنِي، وَتَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْهُمْ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْحَافِظِينَ لِكِتَابِكَ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وهي الأولى بالحرص والمداومة.
حكم تخصيص الدعاء بطلب مولود ذكر
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى أن يرزقه مولودًا ذكرًا، ولا حرج في ذلك، فقد دعا نبي الله زكريا عليه السلام ربه أن يهب له وليًا يرثه، ولكن ينبغي للمؤمن أن يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، فالله تعالى هو الذي يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، وعطيته كلها خير وبركة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
“لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”
[سورة الشورى: 49-50]
فالعبرة ليست بجنس المولود، وإنما بصلاحه وتقواه وبره بوالديه، فالأنثى الصالحة قد تكون سببًا في دخول والديها الجنة، وكذلك الذكر الصالح.
الأحكام والسنن النبوية المتعلقة بالمولود الجديد
شرع الإسلام مجموعة من السنن والأحكام التي يُستحب فعلها عند قدوم المولود الجديد، إظهارًا لشكر نعمة الله تعالى، وتأسيسًا لحياة الطفل على البركة والهدى، ومن أهم هذه السنن:
- شكر الله وحمده: أول ما ينبغي فعله هو حمد الله تعالى وشكره على هذه النعمة العظيمة، فالأبناء هبة من الله تستوجب الشكر.
- التهنئة والدعاء للمولود: من السنة تهنئة الوالدين والدعاء للمولود بالبركة، كأن يقال: “بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَكَ، وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ”.
- الأذان في أذن المولود: يُستحب الأذان في أذن المولود اليمنى؛ ليكون أول ما يقرع سمعه هو نداء التوحيد وكلمات الإيمان.
- تحنيك المولود: وهو أن يُمضغ تمر ثم يُدلَّك به حنك المولود من الداخل، وهي سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولها فوائد صحية للطفل.
- العقيقة: وهي سنة مؤكدة، وتكون بذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة واحدة عن الأنثى، في اليوم السابع من ولادته، شكرًا لله على نعمة المولود.
- حلق رأس المولود والتصدق بوزنه فضة: يُستحب في اليوم السابع حلق شعر رأس المولود، والتصدق بوزن الشعر فضة للفقراء والمساكين.
- الختان للذكور: وهو من سنن الفطرة الواجبة على الذكور، وله فوائد صحية وطهارة، ويُستحب فعله في الأيام الأولى من عمر الطفل.
- اختيار الاسم الحسن: من حق المولود على والديه أن يختارا له اسمًا حسنًا ذا معنى طيب، وأحب الأسماء إلى الله “عبد الله” و “عبد الرحمن”.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 38.
- سورة الأنبياء، الآية 89.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- سورة الشورى، الآيتان 49-50.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6389، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2690، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء لطلب الذرية؟
أفضل الأدعية هي تلك الواردة في القرآن الكريم، وعلى رأسها دعاء نبي الله زكريا عليه السلام:
“رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”
[آل عمران: 38]، ودعاء عباد الرحمن:
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ”
[الفرقان: 74].
هل يجوز الدعاء لطلب مولود ذكر تحديداً؟
نعم، يجوز الدعاء بطلب مولود ذكر، لكن الأكمل هو سؤال الله الذرية الصالحة والرضا بما يقسمه الله تعالى، سواء كان ذكرًا أم أنثى، فكلاهما نعمة وخير من الله.
هل هناك سور قرآنية معينة تُقرأ لتعجيل الحمل؟
لم يثبت في الشرع تخصيص سور معينة لتعجيل الحمل، القرآن كله بركة وشفاء، ويُنصح المسلم بقراءة القرآن عامة، مع الإكثار من الأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، والأخذ بالأسباب الطبية، والتوكل على الله.



