يُعد الدعاء بأسماء الله وصفاته من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ومن الصيغ التي تحمل معاني جليلة في إقرار العبودية لله دعاء “اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنْتَ تَهْدِينِي”، هذا الدعاء يجسد اعتراف العبد بأن الله هو الخالق وحده، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد، ولكن، من الأهمية بمكان التأكد من ثبوت الأدعية وصحتها قبل المداومة عليها، خاصة إذا نُسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
صيغة الدعاء المنتشرة والحديث الوارد فيها
يتداول بعض الناس حديثًا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل هذا الدعاء كأحد أذكار الصباح والمساء، ونصه المتداول هو:
- عن سمرة بن جندب وعبد الله بن سليم -رضي الله عنهما- أنهما قالا: من قال إذا أصبحَ وإذا أمسى:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي، وَأَنْتَ تَهْدِينِي، وَأَنْتَ تُطْعِمُنِي، وَأَنْتَ تَسْقِينِي، وَأَنْتَ تُمِيتُنِي، وَأَنْتَ تُحْيِينِي، لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ”.
.
تنبيه هام وحكم هذا الدعاء
تنبيه هام: الحديث المذكور أعلاه والذي يُستدل به على فضل هذه الصيغة هو حديث ضعيف جدًا وقد حكم عليه بعض أهل العلم بالوضع (أي أنه مكذوب)، فلا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز اعتقاد الفضل الخاص المذكور فيه (أن من قاله لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه) بناءً على هذا السند الواهي.
الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
البديل الصحيح من السنة النبوية لطلب الهداية
من فضل الله علينا أن السنة النبوية مليئة بالأدعية الصحيحة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومن أفضل ما يدعو به المسلم لطلب الهداية، الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منه:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى”.
المصدر: هذا الدعاء ثابت في صحيح مسلم (حديث رقم 2721)، وهو من الأدعية الجامعة التي تجمع بين صلاح الدين وصلاح الدنيا.
فضل الدعاء بصفات الله والإقرار بربوبيته
على الرغم من عدم صحة الحديث المذكور، فإن معاني الدعاء في حد ذاتها صحيحة وتتوافق مع عقيدة التوحيد، فالإقرار بأن الله هو الخالق، والهادي، والمطعم، والساقي، والمحيي، والمميت هو من صميم الإيمان، قال تعالى في كتابه الكريم:
“وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا” [الأعراف: 180].
فالدعاء بهذه المعاني من باب الثناء على الله وتمجيده أمر مشروع ومستحب، وتكمن أهميته في:
- تعزيز التوحيد: الدعاء بهذه الصيغ يرسخ في قلب العبد أن النفع والضر، والخلق والهداية، والحياة والموت كلها بيد الله وحده.
- زيادة اليقين: عندما يقر المسلم بهذه الحقائق، يزداد يقينه بالله وتوكله عليه، مما يجعله أكثر طمأنينة وسكينة.
- أصل العبادة: الدعاء هو مخ العبادة، والثناء على الله بأسمائه وصفاته قبل طلب الحاجة من أعظم آداب الدعاء وأسباب استجابته.
- جلب البركة: ذكر الله والإقرار بنعمه، ومنها نعمة الخلق والهداية، من أسباب حلول البركة في حياة المسلم.
- الراحة النفسية: الشعور بأن أمورك كلها بيد خالقك وهاديك يمنح النفس سكينة واطمئنانًا، خاصة في أوقات الشدة والكرب.
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 180.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2721، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حكم حديث “اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني…”، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ الألباني، حديث رقم 4940، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل دعاء “اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني” صحيح وثابت؟
لا، الحديث الذي يذكر هذا الدعاء بفضله الخاص كذكر للصباح والمساء هو حديث ضعيف جدًا، وحكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع (مكذوب)، لذلك لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ما هو أفضل دعاء لطلب الهداية من الله؟
من أفضل الأدعية الصحيحة الثابتة لطلب الهداية هو ما ورد في صحيح مسلم:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى”
.
هل يجوز أن أدعو بمعاني هذا الدعاء دون الاعتقاد أنه من السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يثني على ربه ويناجيه قائلاً: “اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني…” من باب الدعاء العام والثناء على الله، فهذه المعاني صحيحة، المحظور هو اعتقاد أن هذه الصيغة بفضلها المذكور هي سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها من أذكار الصباح والمساء المخصصة.

