الدعاء في جوف الليل من أعظم القربات إلى الله تعالى، فهو وقت السكينة والخشوع، حيث يتفرغ القلب لمناجاة خالقه، إنها لحظات مباركة يجد فيها العبد ملجأه وأمانه، ويتقرب إلى ربه بقلبٍ منكسر وروحٍ مفعمة بالرجاء، في هذا المقال، نستعرض فضل هذا الوقت المبارك، ونقدم مجموعة من الأدعية المأثورة والصحيحة التي تُعين المسلم على اغتنامه، مع بيان دقيق لمصادرها وحكم ما انتشر بين الناس منها.

أدعية قرآنية ونبوية صحيحة لقيام الليل

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي لا يعدلها شيء، ومن هذه الأدعية:

• دعاء جامع من القرآن الكريم: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  المصدر: [سورة البقرة: 201]..

• دعاء الكرب من السنة النبوية: وهو دعاء عظيم لتفريج الهموم والكروب.
  

  “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”

  المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346..

• سيد الاستغفار: وهو أفضل صيغ الاستغفار كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
  

  “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”

  المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306..

• الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الإكثار من الصلاة على النبي من أعظم أسباب استجابة الدعاء وكفاية الهموم.
  

  “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”

  المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3370..

صيغ شائعة تُنسب لقيام الليل

تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم تثبت بأسانيد صحيحة، ومن أشهرها الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من الطائف، ورغم جمال معانيه، فإنه من الأمانة العلمية بيان حاله:

• الدُّعَاءُ الْمَشْهُورُ: “اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ”.

تنبيه هام: هذه الصيغة هي مما يتداوله بعض الناس، وقد ذكرها أهل السير في قصة الطائف، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعفها كثير من أهل العلم بالحديث، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.

ما صحة دعاء “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي”؟

الحكم على هذا الدعاء أنه حديث ضعيف من جهة إسناده، ومع أن معانيه صحيحة ولا تخالف الشرع، إلا أنه لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الجزم واليقين، يمكن للمسلم أن يدعو بمعانيه العامة دون أن يعتقد أنه من السنة النبوية الثابتة، والأولى والأفضل هو الدعاء بالأدعية الصحيحة الواردة في القرآن والسنة.

أدعية عامة يمكن الدعاء بها في جوف الليل

يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، وهذه أمثلة على أدعية عامة جامعة:

• اللَّهُمَّ خفّف عنّا ثقل أوزارنا، وارزقنا عيشة الأبرار، واكفِنا واصرف عنّا شرّ الأشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمّهاتنا من النّيران برحمتك يا أرحم الرّاحمين.
• يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يا حي يا قيوم، أسألك أن تحقق لي أمنياتي، وأن تجعل الخير دائمًا حليفي، وأن ترزقني رضاك وكرمك وعفوك يا أكرم الأكرمين.
• اللَّهُمَّ تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي.
• يَا رَبِّ، في هذه الساعات المباركة أسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
• اللَّهُمَّ افتح لنا أبواب رحمتك، ووفقنا في حياتنا، وأبعدنا عن كل عمل يُغضبك، وأرشدنا إلى طرق رضاك، واقسم لنا من الخير حيث كان يا ذا الجلال والإكرام.

أهمية الدعاء في جوف الليل وفضله

للدعاء في جوف الليل، وخصوصًا في الثلث الأخير منه، فضل عظيم ومكانة خاصة، وذلك لأسباب عدة دلت عليها النصوص الشرعية الصحيحة:

• وقت النزول الإلهي: هو وقت تتجلى فيه رحمة الله وقربه من عباده، كما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”

  المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1145..

• أقرب إلى الإجابة: الدعاء في هذا الوقت أرجى للقبول، لأنه وقت إخلاص وصفاء، حيث يكون العبد بعيدًا عن الرياء وشواغل الحياة.
• دليل الصدق والإخلاص: قيام المسلم في وقت ينام فيه معظم الناس هو دليل على صدق إيمانه ورغبته الصادقة في التقرب من الله تعالى.
• طمأنينة وسكينة للنفس: مناجاة الله في هدوء الليل تمنح النفس سكينة وراحة، وتزود القلب بطاقة إيمانية تعينه على مواجهة أعباء النهار.
• سبب لمغفرة الذنوب: الاستغفار في هذا الوقت المبارك من أفضل الأعمال التي يكفر الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو أفضل وقت للدعاء في الليل؟

أفضل وقت للدعاء هو الثلث الأخير من الليل، لورود الحديث الصحيح في فضل هذا الوقت على وجه الخصوص، حيث يتجلى الله تعالى إلى السماء الدنيا ويستجيب لمن دعاه.

هل يجوز الدعاء بغير الأدعية المأثورة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يحتاجه من أمور الدنيا والآخرة وبأي صيغة شاء، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء، ولكن، لا شك أن الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.

ما هو البديل الصحيح لدعاء “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي”؟

البدائل الصحيحة كثيرة، وأعظمها “دعاء الكرب” المذكور سابقًا (لا إله إلا الله العظيم الحليم…)، وكذلك دعاء يونس عليه السلام:

“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”

[الأنبياء: 87]، بالإضافة إلى الإكثار من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر