دعاء “اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك”: شرح وبيان لفضله من السنة النبوية، يُعد من أعظم الأدعية النبوية لتفريج الهموم والكروب، هذا الدعاء العظيم ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو إقرار بالعبودية لله وتفويض الأمر كله إليه، وهو من الأسباب الشرعية التي يُرجى بها ذهاب الحزن وانشراح الصدر، في هذا المقال، نستعرض النص الكامل للدعاء ومصدره الصحيح، مع شرح موجز لمعانيه، ونقدم مجموعة من الأدعية الصحيحة الأخرى الواردة في السنة لتفريج الكرب.
النص الصحيح لدعاء تفريج الهم: “اللهم إني عبدك”
إن الشعور بالهم والحزن من طبائع النفس البشرية، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يعين على تخفيفه وتفريجه باللجوء إلى الله تعالى، من أبرز ما ورد في هذا الباب هو الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال:
“ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهمَّ إنِّي عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيْتَ به نفسَك، أو علَّمْتَه أحدًا من خَلْقِك، أو أنزلْتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجِلاءَ حُزْني، وذَهابَ همِّي، إلَّا أذهبَ اللهُ همَّه وحُزْنَه، وأبدلَه مكانَه فرَحًا”، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ، أفلا نتعلَّمُها؟ فقال: “بلى، يَنْبغي لمن سمِعَها أن يتعلَّمَها”.
المصدر والحكم: رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه جمع من أهل العلم منهم الشيخ الألباني وشعيب الأرناؤوط، وهو حديث صحيح يُستدل به ويُعمل به.
شرح موجز لمعاني الدعاء:
- “اللَّهمَّ إنِّي عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك”: إقرار تام بالعبودية والذل لله تعالى، فهو سبحانه المالك ونحن عبيده.
- “ناصيتي بيدِك”: أي أن أمري كله بيد الله، يتصرف فيَّ كيف يشاء، لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا.
- “ماضٍ فيَّ حُكمُك، عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك”: تسليم ورضا كامل بحكم الله وقضائه، وإيمان بأن كل ما يقدره الله هو عين العدل والحكمة.
- “أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك…”: توسل إلى الله بأسمائه الحسنى كلها، ما علمنا منها وما لم نعلم، وهو من أعظم أنواع التوسل المشروع.
- “أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي…”: طلب أن يكون القرآن الكريم حياة للقلب وشفاء للصدر ومُذهِبًا للهموم والأحزان.
أدعية صحيحة أخرى لإزالة الهم والحزن من السنة النبوية
إلى جانب دعاء “اللهم إني عبدك”، وردت في السنة النبوية المطهرة أدعية عظيمة أخرى يُستحب للمسلم أن يلجأ بها إلى ربه عند الشعور بالضيق والكرب.
- دعاء الكرب: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
 “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”. المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم). 
- دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له”. المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح، والآية من سورة الأنبياء، الآية 87. 
- دعاء “اللهم رحمتك أرجو”: عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب”:
 “اللَّهمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تَكِلني إلى نَفسي طرفةَ عينٍ وأصلِح لي شأني كلَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ”. المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن. 
- دعاء “الله ربي لا أشرك به شيئًا”: عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقولينَهنَّ عندَ الكَربِ -أو في الكَربِ-؟ اللهُ، اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا”. المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن. 
صيغ وأدعية عامة منتشرة
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في مصادر معتمدة من القرآن أو السنة الصحيحة، ولكنها تحمل معانٍ طيبة، يجوز الدعاء بها على وجه العموم ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، مع العلم أن الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.
- اللهم يا مسهل الشديد، ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يوم في أمر جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك أدفع ما لا أطيق.
- ربي يا فارج الهم ويا كاشف الغم، فرج همي ويسر أمري وارحم ضعفي وقلة حيلتي وارزقني من حيث لا أحتسب يا رب العالمين.
- اللهمَّ اقسمْ لنا من خشيتِك ما يحولُ بيننا وبين معاصيكَ..، (وهذا جزء من دعاء نبوي ثابت في سنن الترمذي وهو حديث حسن).
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه (باستثناء دعاء القسمة) هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.
المصادر والمراجع
- حديث “اللهم إني عبدك ابن عبدك”: مسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
- دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم”: صحيح البخاري وصحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موقع Sunnah.com).
- دعاء ذي النون: سورة الأنبياء، الآية 87، وحديث فضله في سنن الترمذي.
- دعاء “اللهم رحمتك أرجو”: سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
- دعاء “الله ربي لا أشرك به شيئًا”: سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هي صحة حديث “اللهم إني عبدك ابن عبدك”؟
الحديث صحيح، رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه العديد من المحدثين، وهو من الأحاديث المعتبرة في باب أدعية تفريج الهموم.
متى يُقال دعاء تفريج الهم؟
يُقال هذا الدعاء وغيره من أدعية الكرب عند الشعور بالهم أو الحزن أو الضيق في أي وقت من ليل أو نهار، فليس له وقت محدد، فباب الدعاء مفتوح دائمًا.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها إثم أو قطيعة رحم، ولكن الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة (الأدعية المأثورة) هو الأفضل والأعظم أجرًا والأقرب للإجابة.
 
		
