الدعاء هو جوهر العبادة، وجسر التواصل المباشر بين العبد وربه، وبه يجد المسلم السكينة والطمأنينة في مواجهة تحديات الحياة، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتوق القلوب المؤمنة إلى بلوغ هذا الشهر الفضيل، فتكثر الأدعية التي تعبر عن هذا الشوق، راجين من الله تعالى أن يمن عليهم ببلوغه وهم في خير وعافية وإيمان.
إن دعاء المسلم لنفسه ولأهله وأحبته بأن يبلغهم الله رمضان يعكس عمق المحبة والروابط الإيمانية، ويجسد معنى الحرص على الخير للآخرين، وهو من أعظم مظاهر الاستعداد الروحي لاستقبال شهر الرحمة والمغفرة.
حكم وأصل دعاء “اللهم بلغنا رمضان”
دعاء “اللهم بلغنا رمضان” هو من الأدعية المشهورة التي يكثر ترديدها في شهري رجب وشعبان، ورغم أنه لم يرد بصيغته هذه حديث صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه دعاء صحيح المعنى ولا حرج فيه.
وقد نُقل عن السلف الصالح حرصهم على الدعاء ببلوغ رمضان، فقد كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، وهذا يدل على جواز الدعاء بهذا المعنى، فهو من قبيل الدعاء بالخير العام الذي يجمع بين صلاح الدنيا والآخرة.
الخلاصة: الدعاء بصيغة “اللهم بلغنا رمضان” جائز ومشروع، لأنه يندرج تحت عموم طلب الخير والتوفيق للطاعة، وهو من الأدعية الحسنة التي تعبر عن شوق المسلم لمواسم الطاعات.
الدعاء الصحيح الثابت عند رؤية هلال رمضان
ورد في السنة النبوية الشريفة دعاء مأثور يُقال عند رؤية هلال شهر جديد، بما في ذلك هلال شهر رمضان، هذا الدعاء هو الهدي النبوي الذي ينبغي للمسلم الحرص عليه.
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّهُ”.
المصدر: سنن الترمذي، وقال عنه: “حديث حسن”.
شرح موجز: في هذا الدعاء المبارك، يسأل المسلم ربه أن يكون هذا الشهر شهر أمن وطمأنينة، وزيادة في الإيمان، وسلامة من الآفات، وثبات على الإسلام، معترفاً بأن الله هو ربه ورب هذا الهلال وكل شيء.
صيغ وأدعية شائعة لاستقبال رمضان
إلى جانب الدعاء المأثور، يتداول الناس العديد من الصيغ الطيبة التي تحمل معاني الشوق والاستبشار بقدوم الشهر الفضيل، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من أدعية، ومن أمثلتها:
- اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَأَهْلَنَا وَأَحِبَّتَنَا وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ اللِّسَانِ.
- رَبَّنَا اجْعَلْ قُدُومَ رَمَضَانَ عَلَيْنَا بِدَايَةً لِخَيْرٍ جَدِيدٍ، وَارْزُقْنَا فِيهِ هِمَّةً عَالِيَةً لِاغْتِنَامِ كُلِّ لَحْظَةٍ فِي طَاعَتِكَ.
- اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لَنَا وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ الْمَقْبُولِينَ.
- يَا رَبِّ، اجْعَلْ شَهْرَ رَمَضَانَ فُرْصَةً لِتَطْهِيرِ نُفُوسِنَا وَالتَّوْبَةِ إِلَيْكَ تَوْبَةً نَصُوحًا تَمْلَأُ قُلُوبَنَا بِرِضَاكَ وَمَحَبَّتِكَ.
- اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَقُلُوبُنَا مُطْمَئِنَّةٌ بِعَفْوِكَ، وَأَرْوَاحُنَا مُشْتَاقَةٌ لِطَاعَتِكَ.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، مع جواز الدعاء بالأدعية العامة ذات المعنى الصحيح.
خطوات عملية لاستقبال شهر رمضان المبارك
إن الاستعداد لشهر رمضان لا يقتصر على الدعاء فقط، بل يتطلب تهيئة عملية ونفسية لضمان تحقيق أقصى استفادة روحية من هذا الموسم العظيم، إليك بعض الخطوات المقترحة:
1، الدعاء الصادق
البداية تكون باللجوء إلى الله تعالى بقلبٍ صادق، وسؤاله التوفيق لبلوغ الشهر، والعون على حُسن العبادة فيه، وإدراك ليلة القدر، فهذا يعزز الصلة بالله ويهيئ النفس للطاعة.
2، تجديد النية وإخلاصها
من الضروري أن يراجع المسلم نيته ويُخلصها لله تعالى في كل أعماله، فينوي بصيامه وقيامه وقراءته للقرآن وجه الله وحده، لا رياءً ولا سمعة، فالنية هي أساس قبول العمل.
3، المحافظة على الصلوات في وقتها
الالتزام بأداء الفرائض في أوقاتها، مع الخشوع والطمأنينة، هو من أعظم ما يهيئ القلب لرمضان، فهو يعوّد النفس على الانضباط والتفرغ للعبادة.
4، التدرب على الصيام في شعبان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شهر شعبان، وصيام بعض أيامه يهيئ الجسد والنفس على الصيام في رمضان، فلا يدخل المسلم في الشهر إلا وقد اعتاد على العبادة.
5، قيام الليل والقرآن
تخصيص وقت من الليل، ولو يسير، لأداء صلاة القيام وتلاوة القرآن الكريم، يقوي الصلة بالله ويشحذ الهمة ويُكسب القلب خشوعاً وليناً استعداداً لليالي رمضان المباركة.

المصادر والمراجع
- حديث رؤية الهلال: سنن الترمذي، حديث رقم 3451، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- أقوال السلف في الاستعداد لرمضان: ابن رجب الحنبلي، كتاب “لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف”.
أسئلة شائعة
ما هو الدعاء الصحيح الذي يقال عند رؤية هلال رمضان؟
الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو: “اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّهُ”، وهو حديث حسن.
هل دعاء “اللهم بلغنا رمضان” بدعة؟
لا، ليس ببدعة، هو دعاء عام بمعنًى صحيح، ولم يرد النهي عنه، وقد كان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، مما يدل على مشروعيته من حيث المعنى.
ما هو أفضل وقت للدعاء ببلوغ رمضان؟
يمكن الدعاء به في أي وقت، ويكثر المسلمون من ترديده في شهري رجب وشعبان استعداداً لشهر الصوم، كما يمكن الدعاء به في أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود.
